السبت: 12. 11. 2005
فنجان قهوة
أبو خلدون
هل ملّ الكبار الكفاح من أجل تحقيق السلام والعدل والخير في العالم، فألقوا أسلحتهم، وأوكلوا المهمة للصغار؟ وهل قزم الهوبيت وهاري بوتر هما اللذان سيخلصان الكرة الأرضية من الشرور التي تعشش في كل جزء منها.
المفكر الفرنسي بول ريكور يقول إن وظيفة الخيال هي اكتشاف الحياة، والسعي فيها بحثاً عن معنى، وهذا ما يفعله هاري بوتر وقزم الهوبيت، إنهما يقدمان لنا، من وجهة نظر غربية، نموذجاً مصغراً، للعالم الذي نعيش فيه، ويضعانه أمامنا لكي نصبح أكثر وعيا بالعالم، وأكثر استعدادا لمواجهة الشر.
وهاري بوتر بطل مجموعة من القصص كتبتها الكاتبة البريطانية جوان كاثلين رولينج، والمفروض أنها كتبتها للصغار، ولكن الكبار أقبلوا عليها أيضا بحماس لافت للنظر، بحيث تحولت جوان إلى أكثر الكتاب شهرة في العالم. وقد حقق كتابها الأول “هاري بوتر وحجر الفلاسفة” الذي نشرته عام 1997 نجاحا فوريا وفاز بجائزة الكتاب البريطانية، وجائزة “كتاب العام”، ونشرت بعده “هاري بوتر وغرفة الأسرار”، و”هاري وسجين أزكبان”، و”هاري ووسام الفينيق” والحلقة مستمرة. ومنذ الكتاب الأول نعلم أن هاري فقد أبويه بسبب ديكتاتور قتلهما في حملة للتخلص من خصومه ومعارضيه، وبدافع العنصرية ضد من يسري في عروقهم “دم البورب” أي الذين لا يتحدرون من السحرة. وفي الكتب التي صدرت حتى الآن، والتي تعتبر فصولا متتابعة لقصة واحدة، يواجه هاري، بيديه الصغيرتين العاجزتين، قوى الشر التي يقودها فولديمور، ولا معين له إلا صديقه “دومبليدور” الذي يرعاه ويشرف على توجيهه، ويشحنه بالقيم الديمقراطية والإنسانية، ومن هذه القيم نشر الثقافة والتربية ورفض الوسائل القمعية، ورفض الحروب ومحاولة منعها بأي شكل.
أما القزم هوبيت، بطل قصة سيد الحلقات لجون رونالد تولكين، فإنه المعادل الموضوعي للطفل، إذ ان طوله لا يزيد على 90 سنتيمترا، وهو يفتقر إلى الخبرة، ويعيش تحت رعاية أحد البالغين، هو الساحر جاندالف. ويدور موضوع سيد الحلقات على محاولة تحالف سياسي عالمي منع ديكتاتور يدعى سورون، من شن حرب ساحقة والسيطرة على الأرض.
وفي سيد الحلقات، كما في هاري بوتر، تبدو الإسقاطات السياسية واضحة وجلية. ونتذكر في هذا المجال أن الولايات المتحدة شكلت تحالفا لغزو العراق وأفغانستان، وأنها تحاول حشد تحالف في حربها ضد ما تطلق عليه الإرهاب. وكما يطلق تولكين على التحالف في قصته اسم “تحالف الخير” ويعتبر سورون “محور الشر” فإن أمريكا تستخدم عبارات مشابهة لوصف تحالف أصدقائها ومن تعتبرهم أعداءها.
وقصة هاري لا تختلف كثيراً عن قصة أي يهودي قاده هتلر إلى الهولوكوست وقتل والديه “اللذين تجرآ على مقاومته، رغم الإرهاب الذي كان يمارسه، وبدافع الكراهية والعنصرية”، بل ان الأب الروحي للطاغية سورون في قصص هاري بوتر اسمه سالازار سرنتار، والحرف الأول من الاسمين هو “س.س” وهو الرمز الذي تعرف به أكثر الوحدات عنفا في المخابرات النازية. وهكذا فإن هاري مجرد عميل في حملة بوش الدعائية لتبرير مغامراته في الخارج، وسيد الحلقات جزء من الحملة ضد النازية لدفع العالم إلى التعاطف مع اليهود.
ولكن، لماذا اختار المؤلفان طفلين لمعركة مقاومة الشر، كما فعل فيليب بولمان ولويس لووري في ثلاثيته التي تتصدى فيها فتاة صغيرة لوالده الشيطاني وتمنعه من تدمير الكرة الأرضية؟
الجواب على ما يبدو هو: ان اختيار الطفل لدور البطل مجرد استجابة غير مباشرة للانطباع الذي يشعر به البالغون من أن مكافحة الشرور التي تفتك بالعالم تتعدى إمكانيات أي طرف، مهما كان كبيرا، وفي متابعة الكبار لما يحدث في العالم يبدون كالأطفال في مواجهة الكبار، إنهم يقفون خائفين وعاجزين عن فعل أي شيء.














التعليقات