الأحد: 27. 11. 2005

أندرو سي· ريفكين

أظهرت ألواح جليدية قديمة، تقع في أعماق سحيقة من القطب الجنوبي المتجمد، أن تلك الأعماق لم تشهد على امتداد ما لا يقل عن 650 ألف سنة مضت، ما بلغته الآن من معدلات حرارية عالية ناشئة عن النشاط البشري، على الرغم من كونها شهدت خلال المدة المذكورة، ثلاثة احتباسات حرارية على الأقل، على حد ما أعلنه العلماء والباحثون مؤخراً· وكانت الغازات التي جرى قياسها ضمن تلك الدراسة، قد شملت غاز الميثان وغاز ثاني أكسيد النشادر، إضافة إلى غاز ثاني أكسيد الكربون· ولاحظ العلماء أن تركيز هذه الغازات الثلاثة، قد ارتفع إلى معدلات غير مسبوقة خلال القرون الأخيرة الماضية، قياساً إلى كل الفترات والقرون السابقة لبدء الإنسان أنشطته المكثفة في إزالة الغابات، وقطع الأشجار وحرق الفحم الحجري، واستخدام طاقة النفط وغيرها من موارد الوقود الحفري· يذكر أن هذه القياسات الغازية المشار إليها، وكذلك النمذجة الحاسوبية، التي جرت لبعض الطبقات الجليدية بالقطب المتجمد الجنوبي، قد اضطلع بها فريق علمي تابع لبرنامج ''الدراسات الجليدية القطبية'' الأوروبي، وأن النتائج التي توصل إليها قد نشرت في العدد الأخير الذي صدر للتو من ''مجلة العلوم''·
أما الأدلة العلمية التي توصل إليها الفريق، فقد تم العثور عليها في الفقاعات الهوائية التي استخلصها العلماء من حفرة واقعة بين طبقات جليدية في المنطقة القطبية، على بعد ما يقارب الميلين من سطح منطقة تعرف باسم ''دوم سي''· وهناك علماء ومختصون آخرون ليسوا على صلة بالدراسة الأخيرة - غير أنهم على بينة من طبيعة مثل هذه الأبحاث- أكدوا مدى الأهمية العلمية التي توصلت إليها الدراسة الأخيرة، وما حققته من نتائج، لكونها توفر أمثلة عملية ملموسة، على التباين المناخي الكبير الذي مرت به منطقة القطب المتجمد الجنوبي، وما شهدته من ارتفاع واضح في درجات الحرارة، خلال القرون التي رصدتها وحددتها الدراسة، بفعل تأثير النشاط البشري· إلى ذلك أكد علماء مناخ آخرون لا علاقة لهم بالدراسة أيضاً، أن زيادة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون، مصحوبة بارتفاع معدلات الاحتباس الحراري، إضافة إلى تراكم وتركيز الغازات السامة في الجو، وغيرها من انبعاثات ضارة بالمناخ، قد بلغت بدرجات الحرارة العالمية، مدى غير مسبوق، وفق ما بينته الدراسة الأخيرة· وجاء في تعليقهم عليها أن المعلومات التي تمكنت من توفيرها، سوف تكون ذات تأثير بالغ الأهمية على اختبار وتحسين النماذج الحاسوبية المتوفرة الآن عن التنبؤ بمدى التأثير الذي يتركه تراكم وتركيز الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري على التغير المناخي· يشار إلى أن أطول سجل علمي سابق في رصد تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في المناطق الجليدية المتجمدة، كان قد أعده فريق بحث علمي روسي في محطة ''فوستوك'' للأبحاث الجليدية الواقعة في الناحية الشرقية من المحيط المتجمد الجنوبي، إلا أنه غطى حوالي ما يزيد على الأربعمائة ألف سنة فحسب·
إلى ذلك صرح ريتشارد بي· آلي أستاذ العلوم الجيولوجية بجامعة بنسلفانيا حول الدراسة الأخيرة قائلاً: إن الذين قاموا بها، قد عادوا بتاريخ مناخ المنطقة الجليدية المتجمدة إلى نحو نصف المليون عام، واستطاعوا أن يبرهنوا على أن التأثير السلبي لنشاط الطبيعة نفسها على المناخ القطبي، لم يكن بدرجة ولا خطورة التأثير السلبي عليها، الناجم عن نشاط الإنسان وتخريبه للبيئة المحيطة· وفي المنحى ذاته قال الدكتور جيمس وايت أستاذ علم الجيولوجيا بجامعة كلورادو: إن عالمنا قد شهد تغيرات كبيرة بفعل النشاط البشري· ومع أن الأدلة المستقاة عن العصر الجليدي، تظهر درجة من درجات تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون، وغيره من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وأن نسبة ذلك التركيز قد علت وهبطت في أوقات مختلفة، تبعاً لما طرأ على المنطقة من تغير في درجات البرودة والحرارة، إلا أن الشاهد أنه في وسع هذه الغازات أن تصل نسب تركيزها إلى مدى غير مسبوق· ذلك أن غاز ثاني أكسيد الكربون والإنسان، يبدو أن أشبه بالجسم وقرينه الذي لا فكاك منه· فما أن يتجه الجسم أو الإنسان إلى اتجاه ما، حتى يتبعه القرين مباشرة، ويقصد الجهة نفسها· وفيما يبدو فإن المعدلات الحالية لتركيز غاز ثاني أكسيد الكربون، تدل بشكل واضح على عدم اتزان المناخ العالمي، عند النظر إليها من خلال النتائج الأخيرة التي توصل إليها الفريق العلمي وغيرها من نتائج ودراسات سابقة، مما يعزز الاعتقاد بأننا في انتظار ارتفاع كبير وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة العالمية·
وأهم ما تكشف عنه السجلات الجليدية هذه، ومن بينها المعلومات التي وفرتها الدراسة الأخيرة، أن ثمة علاقة وثيقة ما، بين انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري أو ''ظاهرة الدفيئة''، وارتفاع أو انخفاض درجات حرارة المناخ العالمي· وعلى الرغم من أن العامل العام المؤثر على درجات المناخ العالمي، إنما يتحدد بالتباينات الإيقاعية التي تطرأ على دوران الأرض حول الشمس، إلا أن ما توفر من معلومات وسجلات مناخية عن المنطقة القطبية، يشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان، قد أحدثا ارتفاعاً غير طبيعي في درجات حرارة المناخ، وهو الأمر الذي لا يمكن حدوثه من دونهما، على حد قول توماس ستوكر، أحد الباحثين والعلماء المشاركين في الدراسة، وأستاذ الفيزياء بجامعة بيرن السويسرية·
هذا ويجدر بالذكر أن الفريق العلمي الأوروبي لا يزال يواصل أبحاثه في منطقة ''دوم سي·'' نفسها، وأنه يأمل في أن يمضي بسجلاته عن التاريخ المناخي للمنطقة إلى نحو 800 ألف سنة· وفي حال إنجازه هذا الطموح العلمي، فربما يصل الفريق، إلى ما يثبت مرور المنطقة بفترات حرارة، لا يستبعد لها أن تكون شبيهة بتلك التي مر بها العصر الجليدي الأول· هذا ومن رأي الدكتور جيفين شميدت -الباحث المناخي بمعهد ''جودارد'' لأبحاث الفضاء بمانهاتن- أن ميزة مثل هذه الدراسات، أنها توفر معلومات تساعد على المقارنة بين فترات مختلفة من التغير المناخي، ومن ثم تمكنهم من دراسة المؤثرات على المناخ العالمي، بما فيها بالطبع، انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري·

ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز