أنيس منصور

في جلسة صغيرة في فيلا أستاذنا طه حسين قال لي: اعرف انك قلدتني في إحدى حفلات الكلية.. وأسعدت زملاءك وزملائي. فما رأيك لو فعلت ذلك مرة أخرى؟ وشعرت بالكسوف. وحاولت ألا افعل. ولكن إصرار طه حسين وكل الحاضرين اضطرني الى ذلك. حاولت مقلدا صوته الهادي وترتيبه للكلمات وحركات دقيقة لم يرها طه حسين. قلت: إذا كنت راكبا حمارا، فأنت راكب والحمار مركوب.. ولما كان المركوب هو الذي يلبس في القدم، ولما كان الحمار لا يلبس في القدم، فلا أنت راكب ولا الحمار مركوب..

وضحك طه حسين كثيرا وطويلا وطلب مني أن أعيد هذه العبارة ليضحك مرة أخرى. وطلب مني أن أقلد الأستاذ العقاد. وحاولت ألا افعل. ولكنه أصر. اما صوت العقاد وحركة رأسه ويديه فاستطيعها تماما. قلت: هذه قضية لا خلاف عليها. شرحتها ودللت عليها. والذي يقول إنها ليست صحيحة اجدني مضطرا أن أضع أصابعي في عينيه. فمثل هؤلاء الناس لا مكان لهم على الأرض. وعندي دليل على عدم أحقية هؤلاء الناس في الحياة.

ويضحك طه حسين ويرجوني أن أقلد توفيق الحكيم. اما حركات توفيق الحكيم بيديه ورأسه فلا يراها طه حسين: هوه يعني أم كلثوم تغني وتنبط وتاخد فلوس.. والرجل اللي كتب لها الأغنية ياخد ملاليم.. واللي عمل له المزيكة نايم وراها ومش لاقي ياكل.. والناس تصفق لها وتقول: الله يا ست.. الله على إيه؟ على انها تاخد الملايين واللي عملوا لها كل شيء ياخدوا الملاليم ونصفق لام كلثوم ونقول سيدة الغناء العربي.. تغني آه على عيني.. وتكسب آه علي رأسي.. بس ترش شويه فلوس هنا ولا هنا.. هاها.. هاها.

وكان لنا أستاذ في الفلسفة الإسلامية اسمه د. مصطفى حلمي وكان يدرس لنا محيي الدين بن عربي ونظريته في الوجود، فقلت بناء على إصرار طه حسين أيضا: محيي الدين يفسر لنا الكون من فوق لتحت ومن تحت لفوق ـ كما يقول شكوكو.. فهو التحت ـ فوقي أو الفوق ـ تحتي إن صح هذا (التعبور) يا أنيس منصور!

هاها.. هاها.. أستاذنا طه حسين يضحك ويعلق على شقاوة الطلبة ويحكي لنا ما حدث في إحدى المحاضرات في السوربون عندما وجد الأستاذ ورقة على مكتبه تقول: إن كنت أستاذا عظيما فلا تتكلم.

واخذ الأستاذ الورقة وقال: اما إنني عظيم فلا ادعي ذلك.. اما صاحب هذه الورقة إن كان صادقا فيما يقول فليخرج من القاعة.. فخرج جميع الطلبة إلا طه حسين. وأصر الأستاذ أن يدرس لطه حسين وحده.. هاها.. هاها ـ صوت طه حسين وهو يضحك..