د. عبدالعزيز المقالح

بداية، قليلون جدا هم أولئك الذين يعلمون ان اسم هذه العاصمة قد تغير عبر العصور وان صنعاء كان آخر الاسماء التي حظيت بالثبات والاستمرار، بعد ان كانت تدعي مدينة سام ثم مدينة آزال . كما قد لا يصدق البعض ان اسمها كان في وقت من الأوقات ذمار وهذه التسمية تعني ان عاصمة اليمن كانت مهجرة محرم فيها القتل والعدوان وأخذ الثأر، بوصفها المكان الذي يلتقي فيه ابناء الشعب من كل القبائل القريبة والبعيدة. كما لا يفوتنا هنا ان نذكر ايضا بأن اسمها كان صنعان بالألف والنون.

ولا شك في ان اسماء الجبال المحيطة بالعاصمة وان احياءها وميادينها وشوارعها قد تغيرت عبر الازمنة. وآخر التغيرات هي تلك التي حدثت بعد الثورة، وأبرزها تغير اسم ميدان شرارة الي ميدان التحرير و ظهر الحمار الي ظهر حمير بكسر الحاء وفتح الياء، وهي التسمية القديمة، كما تشير الي ذلك بعض المصادر التاريخية. كما تم تغيير اسم اكمتي (حدين) في الجهة الجنوبية من العاصمة الي النهدين . اما التغيير في اسماء الأحياء والشوارع والمدارس فالحديث عنه يطول. والخلاصة ان التغيير في اسماء المدن والأحياء والميادين وفي اسماء الجبال والمعالم الرئيسية في البلدان ليس حالة استثنائية بل هي حالة انسانية وعالمية حدثت قديما في الشرق وفي الغرب، وتحدث الآن في الشرق والغرب ايضا، ولا تلقي ادني اعتراض. سيما حين تكون التسميات المقترحة للتغيير قبيحة ونافرة كما هي الحال في اسم نقم هذا الجبل الشامخ المنيع الذي يحمي العاصمة ويطل عليها من الشرق.

من المعلوم ان لكل اسم بل لكل مفردة في اللغة العربية -كما في بقية اللغات مبني ومعني، شكلا ومضمونا. فالمعني كالمضمون يرمز الي شيء ما واسم نقم يرمز الي النقمة والانتقام. ويري بعض المؤرخين ان الاحباش هم الذين اطلقوا هذه التسمية علي الجبل عند احتلالهم للمدينة. في حين يشير آخرون الي ان جبال غيمان تقع الي الشرق من صنعاء ولابد ان يكون اسمه التاريخي غيمان . وهي تسمية جميلة تلتقي في الايقاع مع تسمية اشهر جبال اليمن وهي كحلان، وشمسان، وبعدان، وعيبان، وكوكبان، فضلا عن توافقها مع اسماء المناطق المحيطة بصنعاء مثل: سنحان، وخولان، وهمدان، وبعض الضواحي والقري المجاورة مثل ذهبان، وثقبان، وعطان، وسعوان، ووعلان، وشوكان.. الخ.. ولكي يلتقي كذلك مع اسم صنعاء القديم وهو (صنعان).

ان ما ندعو اليه هنا هو اعادة الاعتبار الي الجبل الذي يحرس العاصمة باسترداد اسمه التاريخي غيْمان وما قد يترتب علي هذه الاستعادة من امل في عودة الغيوم الممطرة الي قمة هذا الجبل الشامخ والخضرة الي سفوحه الجرداء واختفاء كل ما يشير الي النقمة والانتقام.

ولا اخفي هنا - ان اغلب من تعرفت عليهم ممن عملوا في بلادنا او زاروها لفترات قصيرة او طويلة قد كانوا يسألون ويتساءلون: كيف يقبل اليمنيون بأن يحمل اهم جبل يطل علي عاصمتهم تسمية تنطوي علي النقمة. وهؤلاء الذين اتحدث عنهم ليسوا شعراء وادباء فقط، بل فيهم الاطباء والمهندسون والمفكرون وعلماء في البيئة والاجتماع، وبعض هؤلاء لا يخفي شعوره بالتشاؤم من هذه التسمية. وحتي لو لم تكن التسمية مشتقة من النقمة والانتقام وانما من تسمية بعض الشجيرات الصغيرة التي تنمو في سفحه علي حد ما يرويه المؤرخون المتأخرون الذين يرون ان تسمية الجبل تعود الي وجود شجيرات النقم تلك التي تنمو علي جنباته وهي نوع من الحنظل ثمراته صغيرة الحجم شديدة المرارة، لا تأكله الحيوانات فضلا عن البشر.

أخيرا، ارجو ان يكون في هذه الاشارات ما يمكن اعتباره رسالة ايجابية الي كل من يهمه أمر العاصمة، وما يحيط بها ويكتنفها من جبال واكام وقري، وما ينبغي ان يشملها من تحسينات جوهرية وشكلية، وان لا يكون الصمت المعتاد هو الرد. ومن المؤكد انه في حالة الموافقة علي تغيير اسم الجبل من نقم الي غيمان لن تمر سوي شهور قليلة حتي يكون الشعب قد اخذ علي التسمية الجديدة ضاربا عرض الجبل نفسه كل المبررات والتخرصات التي قد يتقدم بها المعارضون وانصار الجمود.

تأملات شعرية:

ليس لي

ليس للكلمات الفقيرة

ما يمسك الضوء وهو يغني

لصنعاء،

يكتب في ليلها ألف شمس وشمس ملونةٍ.

نبتتْ كالنجوم علي شاشةِ الواجهاتْ

ليس لي أن أُقِّبل غيمان ،

وهو يحَدق خارج أسمائهِ

لا يفرق بين الرصاصةِ

والقبلاتْ!