العام 2025 لبنانياً، كان صناعة إسرائيلية بامتياز. كل حدث فيه تمحور حول ما تفعله الدولة العبرية وتطلبه وتهدد به. "حزب الله" لم يكن فاعلًا، على الرغم من أنّ مسألة سلاحه كانت في صدارة الاهتمامات، بل كان مجرد ردة فعل لفظية، بعدما ثبت أنّ العجز ضربه، بقوة، إذ أفقدته الضربات العنيفة التي تلقاها، بين منتصف أيلول/ سبتمبر ونهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، ما كان يسمّى بقوة الردع. في العام 2025، لم يعد هذا الحزب يملك، لعرقلة الأضرار الاستراتيجية التي تتربص به، سوى عاملين سلبيّين: التهديد بحرب أهلية والموافقة على المجزرة اليومية التي لاحقت، طوال العام، قياداته ومقاتليه والمنتمين إليه والمتعاونين معه! وفي العام 2025، فشل "حزب الله" في صناعة سردية الانتصار، بعدما أمعنت إسرائيل، في ظل تفاهم وقف العمليات العدائية، في ضرب مواقعه وقتل رجاله ومنع تسعين ألف جنوبي من العودة إلى قراهم الواقعة في "الحافة الأمامية"، وتحليق مقاتلاتها فوق رؤوس مشيّعي أمينيه العامين الراحلين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، فانتقل إلى سردية متواضعة، تقوم على قبول الموت، وعلى خوض معركة كربلائية (انتحارية وفق القاموس العسكري غير الشيعي)، وانتظار الانتصار "بعد حين" غير محدد أو معلوم ومتروك على "ما يقدر الله". إذاً، كل ما حصل في لبنان، في العام 2025 كان صناعة إسرائيلية. انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، ولو حظي بموافقة "حزب الله" في الربع الساعة الأخير، لم يكن ممكناً لولا وجود بند سري في الوساطة الأميركية التي أدت إلى تفاهم وقف إطلاق النار، يقضي بوجوب إجراء الاستحقاق الرئاسي وتشكيل حكومة جديدة وتسهيل انتشار الجيش لنزع السلاح، بدءاً من جنوب نهر الليطاني. ومحاولة الدولة احتكار السلاح في كل لبنان، وفق قرار الخامس من آب/ أغسطس 2025، الذي كان باكورة القرارات الحكومية الهادفة إلى منع إسرائيل من العودة إلى الحرب التي هددت بها، بحيث اشترطت الولايات المتحدة الأميركية أن تثبت الدولة اللبنانية أنها دولة جديرة بهذا الاسم، حتى ترفع البطاقة الحمراء بوجه مخطط الحرب الإسرائيلية الجديدة. وبهاجس منع هذه الحرب، رفع لبنان مستوى تمثيله في اجتماعات الميكانيزم، وعهد إلى السفير السابق سيمون كرم بمهمة ترؤس الوفد اللبناني، بعدما مانع لبنان، مراراً وتكراراً، ذلك وجرّ على مسؤوليه لقب " الديناصورات" الذي أطلقه المبعوث الأميركي توم برّاك، صاحب التحذيرات من إعادة لبنان إلى "بلاد الشام"! وحتى لا يدفع الجيش اللبناني، المتهم إسرائيلياً، بـ"التواطؤ" مع "حزب الله، الثمن، وتبدأ الحرب المهدد بها وافق، بعد رفض، على تفتيش منازل الجنوبيين "المشتبه بها"، بمرافقة الكاميرات واليونيفيل. وهكذا، تحاول السلطة اللبنانية تجنيب لبنان عموماً و"حزب الله" خصوصاً خوض غمار حرب جديدة، يعرف الجميع مدى تفوق إسرائيل عسكرياً ومخابراتياً وتكنولوجياً، فيها، ولكنّ الحزب الثابت عجزه العسكري والمخابراتي والتقني، والعارف بحقيقة القدرات الحربية "المتواضعة" لدى الجيش اللبناني، والمدرك لحجم الانهيارين المالي والاقتصادي لدى الدولة اللبنانية، وبدل أن يدعم السلطة عمل على تحطيمها معنوياً، بحيث لا يمر يوم واحد، من دون تخوين المسؤولين والأكثرية الحكومية، وإظهارها عاجزة أمامه! لا يريد "حزب الله" أن تعلن الدولة اللبنانية الحرب على إسرائيل، ولا أن تترك الأمور تتدهور لتصل إلى مستوى الحرب، إنما يسعى، من جهة، إلى أن يستفيد من نهجها الديبلوماسي الذي يتطلب براهين ميدانية وسياسية، ويحاول، من جهة أخرى، تقديم صورة "بطولية" عن نفسه لدى بيئته التي لو تمّ تركها من دون عدو داخلي، لارتدت إلى مساءلة الحزب عن المصير الذي أوصلها إليه، حيث خسرت كل شيء تقريباً: الشباب، المنازل، الأمان وسوريا! وحتى تاريخه، تراعي السلطة حساسيات "حزب الله"، بحيث تسمح، من أجل حل الأمور بالتي هي أحسن، أن تتضرر سمعة الدولة ويتحوّل كل ما تقدم إليه إلى موضع شبهة، تماماً كما حصل في التعاطي مع الحكومة عند إقرار أول مشروع قانون يمكنه أن يضع على سكة العلاج ملفي الفجوة المالية والودائع المجهولة المصير، منذ خريف العام 2019!