.. سنة أمريكية داخلية ساخنة في انتظار جورج بوش

محمد المنشاوي

من حسن حظ الرئيس الأمريكي جورج بوش أن كاتبي الدستور الأمريكي وضعوا حدا زمنيا يقدر بفترتين رئاسيتين مدة كلا منهما أربع سنوات لحكم أي رئيس مما جنب الرئيس بوش اختبارا صعبا وحقيقيا يتمثل في خوضه انتخابات رئاسية جديدة. ولكن من سوء حظ الرئيس جورج بوش أن عليه البقاء والقيام بمهام رئيس الجمهورية لثلاث سنوات أخرى.
على صعيد السياسات الخارجية ما زالت الصورة تبدو قاتمة وتتعالى الأصوات المطالبة بالانسحاب من العراق، وإضافة لعدم إحراز تقدم في المحادثات النووية مع إيران وكوريا الشمالية من ناحية، وما صاحب ذلك من انتشار المد اليساري المناوئ للسياسات الأمريكية في العديد من دول أمريكا اللاتينية. داخليا، لا تبدو الصورة أقل قتامه من الوضع الخارجي، فقد شهدت أول سنوات فترة حكم جورج بوش الثانية 2005 إخفاقات على صعيد السياسة الداخلية الأمريكية أكثر مما كان يتوقع أكثر المتفائلين من الحزب الديمقراطي المنافس.

دور الرئيس الأمريكي في تشكيل أجندة السياسة العامة الداخلية
للرئيس الأمريكي دورا كبيرا في تشكيل أجندة السياسات الداخلية في الولايات المتحدة، وبدأت عادة إرسال البيت الأبيض لأجندة السياسة العامة الداخلية سنويا للكونغرس على يد الرئيس الأمريكي السابق تيودور روزفلت في ثلاثينيات القرن الماضي، وبمقتضى هذا العرف السياسي يرسل الرئيس الأمريكي أجندته للكونغرس بما تحتويه من أهم مشاريع القرارات التي يريد الرئيس الأمريكي وكبار مساعديه أن يحصلوا على موافقة الكونغرس عليها من أجل أن تصبح قوانين ملزمة بما يعكس رؤيته لأهم القضايا في ذلك العام. خلال عام 2005 كان خطاب الرئيس الأمريكي السنوي عن حالة الاتحاد State of the Union في شهر يناير الماضي بمثابة خريطة طريق لما تريد إنجازه إدارة هذا الرئيس، وتناول جورج بوش في خطاب حالة الاتحاد بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر 2004 بأغلبية تعدت 3.5 مليون صوت نقاط هامة وأهداف تتعلق بالسياسات الداخلية تتمثل في:
1 تحقيق نمو في الاقتصاد الأمريكي عن طريق:


sect; خفض النفقات وتقليل الدين الحكومي.

sect; خفض معدل الضرائب وجعلها عملية مستمرة.

sect; توفير وسائل جديدة للطاقة بما يقلل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية من الخارج.

2 إصلاح النظام الحالي للتأمينات والضمانات الاجتماعية بما يوفر حياة كريمة للمسنين في المستقبل عن طريق.
ورغم مثالية ما طالب به الرئيس الأمريكي في بدايات سنة 2005، إلا أن إلقاء نظرة على سجل الإدارة الأمريكية في نهايات عام 2005 يمثل دليلا كافيا لقياس مدى الإخفاق في تحقيق ما خطط له البيت الأبيض رغم وجود كونغرس يهيمن على مجلسيه أغلبية جمهورية من نفس حزب الرئيس. يقول دان بارتليت Dan Bartlett أحد مستشاري الرئيس بوش quot;عندما يعرض الرئيس أجندته على الكونغرس، سنعمل على التأكد من إنها لا تمثل صعوبات للكونغرس حتى يتم تمرير مشاريع القوانين في عام الانتخابات المقبلة 2006quot;. وذكر بارتليت أن ليس معنى هذا تقديم مشاريع قوانين مضمون تمريرها فقط، بل سيقدم الرئيس مبادرات جديدة في خطابه عن حالة الاتحاد في 31 يناير القادم.

فشل أجندة الرئيس للسياسات الداخلية خلال 2005 واستمرار ارتفاع الدين العام
كانت مبادرة الرئيس جورج بوش بخصوص إصلاح نظام التأمينات الاجتماعية بمثابة حجر الأساس في سياسة البيت الأبيض الداخلية في فترة حكم الرئيس الثانية. فقد ركز الرئيس في عدة خطب له في بداية العام على الترويج لها ولفكرته الجديدة المتعلقة بالاستثمار في أموال صناديق التأمينات الاجتماعية، كذلك أخذ الرئيس على عاتقه مبادرة السفر لأكثر من عشرين ولاية أمريكية للتحدث أمام مواطنيها عن تفاصيل خطته. وجاء فشل الرئيس في الحصول على دعم لخطته بمثابة بداية إدراك الإدارة لما قد تواجهه من مواقف غير متوقعة من الكونغرس ذي الأغلبية الجمهورية. ذلك في الوقت الذي بلغ فيه الدين الأمريكي العام معدلا قياسيا بلغ 8.2 تريليون دولار في نهايات شهر سبتمبر، ومع وصول عدد سكان الولايات المتحدة لما يقرب من 298 مليون نسمة، يبلغ نصيب المواطن الأمريكي من الدين القومي 27.500$ دولار.
وجاء ارتفاع أسعار الوقود خلال العام والتي وصلت لمتوسط بلغ سعر الغالون معه 3 $ لوقود السيارات في أعقاب إعصار كاترينا لتتلاشى وعود الرئيس بتوفير مصادر طاقة رخيصة في بداية عام 2005 كما وعد في بداية العام.

فضائح في الأفق .. نتائج تحقيق باتريك فيتزغيرالد ومصير توم ديلاي
في 30 من شهر ديسمبر عام 2003 عين باتريك فيتزغيرالد محققا خاصا في قضية تسريب هوية عميلة في وكالة الاستخبارات فيلاري بلايم انتقاما من موقف زوجها المعارض للحرب على العراق السفير جوزيف ويلسون. ومع تواصل التحقيقات والتي من المتوقع أن تعلن نتائجها في وقت قريب، قد يتعرض البيت البيض لفضيحة حقيقية إذا ما تم إدانة احد كبار مستشاري الرئيس المقربين بتهم فيدرالية. وتثور العديد من التكهنات في واشنطن باحتمال توجيه تهم إلى كارل رووف، خاصة بعدما تم توجيه تهم جنائية ضد كبير مساعدي نائب الرئيس ديك تشيني سكوتر ليبي، والتي اضطر على أثرها للاستقالة.
ولن تنتهي فضائح عام 2005 والتي طالت حزب الرئيس بوش الجمهوري بنهاية العام، بل من المتوقع استفحالها خاصة بعدما وجهت هيئة محلفين بولاية تكساس الأمريكية لزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي توم ديلاي تهمة القيام بأنشطة غير مشروعة لجمع الأموال أثناء حملة انتخابية وارتكابه مخالفات جنائية مع اثنين من مساعديه خلال حملة لجمع التبرعات. وأعلن ديلاي تنحيته عن منصبه بصفة مؤقتة بعد توجيه الاتهام إليه.
وقد يواجه ديلاي عقوبة السجن لمدة قد تصل إلى عامين في حالة إدانته بالتهمة التي وجهتها إليه هيئة محلفين كبرى في محكمة بمدينة هيوستن بتكساس.
وعكست أخبار انتهاكات توم ديلاى مشكلة ذات جذور عميقة تمر بها تجربة الديمقراطية الأمريكية الآن. المعضلة الخطيرة هنا هي تأثير سلطة المال الكبير على عملية صنع القرار السياسي، كذلك الدور المتصاعد للمال في الحملات الانتخابية. ويرى العديد من المراقبين في واشنطن أن تصرفات توم ديلاى تمثل طريقة العمل المعتادة في واشنطن، وتعكس الواقع العملي للسياسيين الأمريكيين، وكما قال أحد العاملين بالكونغرس لتقرير واشنطن واشترط عدم ذكر اسمه quot;إن توم ديلاى تصرف كعادة معظم أعضاء الكونغرس ولكنه تجاوز الحد المقبول، لذلك افتضح أمرهquot;.
وتوم ديلاي هو ثاني وأقوي أعضاء مجلس النواب الأمريكي (بعد رئيس المجلس The Speaker) يواجه اتهامات تتعلق بسوء استغلال سلطته المستمر، وذلك لأنه كان يتخذ جميع قراراته السياسية على أساس مراعاة المصالح المشتركة لممولي حملته الانتخابية.

2006 واستمرار معضلة التعامل مع تبعات كارثة كاترينا
بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على أكبر كارثة طبيعية في التاريخ الأمريكي، والتي نتج عنها وفاة 1300 شخص وفقدان أكثر من مليون شخص لمساكنهم، ما يزال يسكن عشرات الآلاف في ملاجئ وخيم في انتظار الحصول على مساعدات من الحكومة الأمريكية، ورغم أن الحكومة الأمريكية تنفق يوميا عدة ملايين من الدولارات على عمليات الإغاثة وإعادة البناء في ولايتي لويزيانا ومسيسبي، إلا أن هناك الكثير من الأصوات المنادية بضرورة مراقبة الطريقة التي تنفق بها تلك الأموال وأن يعرف المستفيد الحقيقي منها.
ومازالت إدارة الرئيس جورج بوش ترفض إجراء تحقيق عميق في سوء إدارة الحكومة لإعصار كاترينا بعد التعرض لسدود سياسية بواشنطن. ويرفض البيت الأبيض والكونغرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون حتى الآن إنشاء لجنة تحقيق مستقلة، ومن المتوقع أن تستمر تبعات هذه الكارثة الطبيعة خلال عام 2006.
مثلت كارثة كاترينا صدمة للدولة الأمريكية الأقوى والأغنى في العالم، والتي اضطرت لقبول مساعدات دولية على غرار دول العالم الثالث الفقيرة.

عام 2006 وانتخابات التجديد بالكونغرس
زادت نتائج الانتخابات الجزئية في ولايتي فيرجينيا ونيوجيرسي في شهر نوفمبر 2005 من حدة قلق الجمهوريين من تعرضهم لخسارة جسيمة في انتخابات التجديد للكونغرس في شهر نوفمبر المقبل، ويرى الديمقراطيون الآن وأكثر من أي وقت مضى أن ذلك كان بمثابة بداية لما ستأتي به انتخابات الكونغرس القادمة، ومؤشر جيد على إخفاقات لاحقة للجمهوريين.
ويرى الكثيرون انه ما لم يجد الرئيس الأمريكي جورج بوش وسيلة لتغيير طريقته في الحكم، وما لم يقدم الدعم والمساعدة لذوي الاتجاهات المعتدلة داخل حزبه، فإن احتمال تعرض الحزب الجمهوري للخسارة العام المقبل وارد.
ويتمتع الحزب الجمهوري بأغلبية مريحة في مجلسي الشيوخ والنواب لإضافة إلى أغلبية في عدد حكام الولايات كما يظهر الجدول التالي:

الجمهوريون

الديمقراطيون

مجلس النواب

232

200

مجلس الشيوخ

55

44

حكام الولايات

28

22



إلا أن استطلاعات الرأي التي جرت مؤخرا قد أظهرت ميل غالبية الناخبين الأمريكيين للتصويت لصالح مرشحين ديمقراطيين في انتخابات نوفمبر 2006. ففي استطلاع للرأي قامت به شبكة آيه بي سي ABC التليفزيونية بالاشتراك مع صحيفة واشنطن بوست وأجري ما بين 15-18 من شهر ديسمبر 2005، ذكر 51% من المستطلعين أنهم سيمنحون أصواتهم لصالح مرشح ديمقراطي إذا ما جرت الانتخابات الآن مقابل 41% اختاروا الجمهوريين.