السبت:07. 01. 2006

د. ناديا بوهنّاد

يوم الأحد الموافق الأول من يناير كان يوماً هادئاً وبارداً على غير العادة هنا في مدينة دبي، توجهت يومها للقاء صديقة لي لتناول وجبة إفطار متأخرة. تأتي هذه الصديقة من خلفية مختلطة فهي من أصل فلسطيني نشأت في لبنان وتحمل الجنسية الكندية. بداية اللقاء كان عن موجة البرد القارص التي جاءت على غير العادة، كنا نشكو من البرد ونحن نجلس في الجزء الخارجي من المقهى، ولم لا والعديد غيرنا يجلس مرتدياً ملابس خفيفة مستمتعا بلسعات البرد. كان أول سؤال سألناه لبعضنا وفي نفس الوقت: ldquo;هل شاهدت بالأمس اللقاء مع خدام؟rdquo;، والسؤال الثاني كان ldquo;ولماذا الآن؟rdquo;. نعم اللقاء مع عبد الحليم خدام الذي بثته قناة العربية يوم الجمعة أعادت بثه مساء ليلة رأس السنة بعد العاشرة ليلا واستمر حتى الثانية عشر تقريبا. لقاء تلفزيوني غير عادي ومفاجأة السنة الجديدة للعالم العربي وقنبلة فجرها لمناسبة قدوم السنة الجديدة.

كلانا لم يشاهد العرض الأول من المقابلة وكلانا تذمر من عدم القدرة على متابعة التفاصيل خلال العرض الثاني (الإعادة) بسبب الاجتماع مع الأهل والرسائل التي تتوالى كل دقيقة للتهنئة بالعام الجديد. وبينما كنت أتابع ما استطعت وأتمعن في ملامح وجهه التي لم تكن مألوفة على عكس اسمه الذي كان مألوفا منذ زمن بعيد، فقد سمعت اسمه يتردد في الأخبار أكثر من تردد اسم الرئيس الراحل حافظ الأسد.

لا توجد لدينا أي اهتمامات سياسية لا أنا ولا صديقتي ولكننا كأي مشاهد عربي عادي لا دخل له بالسياسة، تساءلنا ldquo;لماذا الآن؟rdquo;. تقول صديقتي وقد تأثرت بالأحداث التي تجري على الساحة اللبنانية إن عبد الحليم خدام كان يُعرف بالفساد عندما كان صقراً من صقور النظام السوري، وهناك صديق مسيس آخر كان قد ذكر لي بعد أن شاهد اللقاء بأن كل ما ذكره خدام فيما يتعلق بالوضع السوري هو حقيقي، متحفظا على كلامه عن الوضع اللبناني. وعند التفكير في كلام الصديقين طرحت ثلاث أسئلة ربما لا يكون لها أي أساس سياسي ولكنها من الناحية النفسية والاجتماعية ربما تستحق بعض التحليل.

السؤال الأول: هل فقد خدام التوازن الشخصي بسبب فقدان المركز الاقتصادي والسياسي له وأنه لم يعد يحتمل فقدان السلطة؟ فهل سلم السلطة لشخص ويريد من صاحب السلطة الحقيقي أن يستردها، ربما بالقوة؟ فكلامه كان يحمل مضامين بدء حرب في مكان ما، فها هي لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري تطلب لقاء خدام، كما طالبت اللجنة الاستماع إلى أقوال الرئيس السوري بشار الأسد ووزير الخارجية فاروق الشرع. هناك أنماط من الشخصيات التي تعيش من اجل السلطة والقوة فقط ولا غير، بل وتتلذذ بالشعور بالنفوذ، وعندما تفقد السلطة وتفقد الشعور بالنفوذ تفقد عقلها أو تفقد التوازن النفسي فيبدو ذلك واضحا من خلال كل شيء تقوم به، فهل هذا هو ما يحدث لخدام؟

السؤال الثاني: هل يريد خدام أن يُقدم نفسه لمرحلة قادمة فيخلق من نفسه بطلا أمام الشعب السوري والعرب؟ وهل هذا تصرف منطقي في مرحلته العمرية الحالية؟ يقول الفيلسوف ldquo;نيتشهrdquo; عندما يحقق الإنسان كل أهدافه تنتهي حياته بل ويكون من حقه إنهاء حياته. يبدو أن خدام قد حقق نفوذا اقتصاديا وسياسيا عندما كان في السلطة وجمع ثروة مالية مقدرة، فلماذا لا يتنحى بهدوء؟ وماذا يريد بعد؟ إذا لم يكن يبحث عن المنصب، هل يريد أن يحمي نفسه وأسرته من المساءلة القانونية إذا ما تم تطبيق قانون ldquo;من أين لك هذا؟rdquo; رجل أصبح ثرياً وله مصالح اقتصادية في كثير من الدول العربية والغربية. وخلال اللقاء كان خدام قد ذكر شخصين عاديين أصبحا اليوم من الأثرياء في سوريا، وبينما هو يتحدث قامت عدسة كاميرا التلفزيون بأخذ صورة أكبر لشكل المكان الذي يجلس فيه والقطع الأثرية الثمينة التي تتناثر في أرجاء المكان. لا أدري هل كانت اللقطة متعمدة أم لا، ولكنها أثارت انتباه البعض، على الأقل هذا ما أثار انتباهي.

السؤال الثالث: هل لخدام دور مرسوم من قبل جهة ما في اطار (نظرية المؤامرة)؟ وهذا ما قد يدور في أذهان العديد من السوريين عندما يتساءلون لماذا الآن؟ هل طُلب منه أن يقول كل ما قال؟ قد يعرف الشعب السوري حقيقة أوضاعه الداخلية ولكنه قد يُثيره سكوت خدام طوال هذه السنوات، فمن حق الشعب أن يغضب. غريب أن يكون نائب رئيس جمهورية ويتحدث عن أحوال البلد الداخلية الآن، وماذا عن الفترة التي كان فيها الأقرب الى رأس السلطة؟ ألم يخطر بباله أن يحتج أو يكتب مقالاً أو موضوعاً؟ هل للحرية والديمقراطية مواسم؟ أم هل سكت بسبب النعمة التي أغدقت عليه؟ أم انه كان خائفا من الرئيس آنذاك؟ هل يتمتع نواب الرؤساء في العالم بأي صلاحية؟

من كان على دراية بالوضع السوري وعن قرب يعرف أن كل ما قاله خدام عن سوريا صحيح ولكن الشارع السوري نفسه ينقسم إلى قسمين كل قسم له صفات شخصية تختلف عن الأخرى، فهناك من يُمالئ السلطة وهم من السياسيين الذين في الحكم والنظام، وقسم تحدث بتلقائية وهم من أبناء الشعب السوري الذين اعتبروا أن الموضوع مس كرامتهم قبل أن يمس أي شيء آخر لأنهم يعرفون خدام عز المعرفة.

لا نريد عراقاً آخر في المنطقة ولكن هناك من يخطط لذلك. ولا نريد اغتيالات أو خسائر أخرى في العالم العربي ولكن هناك من يُخطط لذلك. يبدو أن هذا العام لن يختلف عن الذي مضى أو غيره على الصعيد السياسي أو الاقتصادي في العالم العربي. ولكن ما أزال وغيري من الناس نتمنى معرفة الجواب على تساؤلات الكثيرين أهمها: ldquo;خدام، لماذا الآن؟rdquo;.

* مؤسس ومدير عام سيكولوجيا للاستشارات

[email protected]