طارق مصاروة

منذ سقطة فيتنام المدوية وهزيمتها السياسية العسكرية الاكبر، والادارات الاميركية المتعاقبة تلعب وتعيد لعبة الاكاديميين في الخارجية والامن القومي، ونموذج هنري كيسنجر وبرزنسكي الى اولبرايت وكونداليزا رايس يتكرر.. لا لان هؤلاء الاكاديميين او القادمين من معاهد الدراسات عباقرة سياسة، وانما لانهم قادرون اكثر من غيرهم على تبرير الاخطاء، والدفاع عن الفشل، ولانهم laquo;كعلماءraquo; في الجامعات ابعد في ذهن الناس عن فساد السياسيين المحترفين.

الرئيس بوش الابن وهو يتراجع الان 180 درجة عن laquo;استراتيجية النصر في العراقraquo; يحاول ان يجمع كل أفانين من سبقوه من الرؤساء بجمعه لكل وزراء الخارجية والدفاع خلال العهود الثلاثين الماضية من الجمهوريين والديمقراطيين.. ليقول للناس: وماذا تريدون اكثر، الا ترون ان ورطة العراق ليست من صنعي وحدي.. وانما هي نتيجة عهود طويلة من التورط، وانني لا استفرد مع بات روبرتسون وبقية قساوسة الصهينة البروتستانتية بالقرارات الكبرى، وانما انا استشير كل laquo;عباقرةraquo; السياسة الخارجية والدفاع والامن القومي؟!!

لقد كان منظر شليسنجر، وداينبرغر وعنق اوبرايت الممطوط منظرا مثيرا للشفقة.. لاناس دب فيهم الزهايمر، ونسوا اين يقع العراق على الخارطة، يعودون الى الاضواء.. ويتحلقون حول الرئيس في المكتب البيضاوي، في وقت لم يعد الجيل الجديد الاميركي يتذكرهم.

فرنسا في منتصف القرن الماضي سقطت ايضا في المستنقع الفيتنامي.. ووقعت عسكريا على انفها في ديان بيان فو، ثم سقطت في مذبحة الجزائر.. لكن فرنسا خرجت من الهزائم السياسية والعسكرية ببطل كشارل ديغول، وعادت الى تجديد ذاتها بالتخلي اولا عن المستعمرات، وببناء القوة الاخلاقية الذاتية وبانهاض اوروبا معها.

لم يحاول الجنرال المدهش ان يكذب على نفسه وعلى شعبه.. لم يتحدث قط عن laquo;استراتيجية النصرraquo; في ديان بيان فو او في الجزائر. لم يجمع منديس فرانس وبينيه ولم يستحضر جنرالات المظليين في الجزائر.. فقد اعترف اولا بانتهاء عصر الاستعمار، وانهاء جمهوريتها وحول الدول المستعمرة الى شريكات في المستقبل، وصنع قنابله النووية وقوته الجوية الضاربة، واعاد الفرنك الى مواقعه، واعلن تحالفه الاساسي مع المانيا!!

ان اشياء كثيرة وكبيرة تثير انتباه المراقب لما يجري على مسرح المنطقة والعالم، لكن جمع الرئيس بوش لحطام السياسات الخارجية والدفاع والامن القومي laquo;لاستشارتهمraquo; في laquo;استراتيجية النصر في العراقraquo; هو عندنا اتعس ما حدث هذا الاسبوع، ويستحق التشهير، والنقد، والازدراء، ذلك ان المطلوب هو الانسحاب من العراق لا تبرير الجريمة، والمطلوب تخلي الادارة الاميركية عن الدمى التي جاءت بها، والمجموعات الطائفية الحاقدة التي امسكت بوحدة العراق.. من عنقها!