عبدالوهاب بدرخان
الأميركيون ليسوا عاجزين عن التأثير في القرار الاسرائيلي، لكن فقط عندما تكون لديهم الإرادة، وعندما لا يكون التدخل في شأن اسرائيلي بحت، وخصوصاً حين لا يكون الموقف الاسرائيلي مبرراً بمصلحة اسرائيلية واضحة. هذا ما يفهم من laquo;تطميناتraquo; أميركية أبلغت الى الرئيس الفلسطيني بأن الانتخابات ستشمل المقدسيين باعتبارهم فلسطينيين يريدون أن يشاركوا شعبهم في laquo;المناطقraquo; في الاقتراع المقرر ليوم 25 كانون الثاني (يناير) الجاري.
بعد دقائق من اعلان laquo;أبو مازنraquo; عن تلك التطمينات، اضطر وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز الى تأكيد قرار laquo;مبدئيraquo;، هو في الحقيقة نهائي، بالسماح لفلسطينيي القدس بالمشاركة في الانتخابات خارج المدينة أو في مكاتب البريد، على غرار ما حصل في انتخابات 1996. لكن التطمينات لا تعني ان الاسرائيليين سيسهلون مهمة الناخبين، بل سيعمدون الى عرقلة منهجية، كما سبق وفعلوا، تعبيراً عن عدم اعترافهم بالعملية الانتخابية في القدس.
في الأساس، كان الموقف الاسرائيلي محاولة واضحة للتدخل في الانتخابات، إذ وضع اقتراع المقدسيين تحت علامة استفهام، خدمة للفئات الفلسطينية التي مالت الى تأجيل الانتخابات. ثم انه سعى الى إظهار غياب أي معنى laquo;سياديraquo; لانتخابات يتوقف مصيرها على إرادة قوة الاحتلال. وكذلك رمى الاسرائيليون الى وضع عراقيل لعلها تحمل السلطة الفلسطينية على منع حركة laquo;حماسraquo; من المشاركة في الانتخابات. ثم انهم كثفوا عمليات القصف والاغتيال بغية اشاعة حال من التوتر والمواجهة، لعلها تخدم التأجيل. وما لبثوا أن اعتمدوا أيضاً على الفوضى الأمنية في غزة وبعض مناطق الضفة، وعلى بعض الأطراف الفلسطينية، لاقناع السلطة بأن أمن الانتخابات غير مضمون، بل انها قد تكون مسرحاً لشرارات تشعل اقتتالاً أهلياً.
ما المصلحة في تعطيل الانتخابات الفلسطينية؟ يجب البحث في عقل متعفن لدى موفاز وأمثاله لمعرفة الجواب. فالتعطيل يعني تعزيز الفوضى التي يمكن اسرائيل استخدامها، ويستكمل خطة إضعاف السلطة وشرعيتها، ويساهم في إبراز عجز القوى الأمنية الفلسطينية وبالتالي عدم كفايتها لـ laquo;تفكيك البنى الارهابيةraquo;. استطراداً، يمكن اسرائيل أن تقول للمجتمع الدولي ان laquo;الشريك الفلسطينيraquo; غير موجود، بل انه لا ينفك يتلاشى أمامها، وبالتالي فإن أي حديث عن مفاوضات وتنازلات وتسويات هو حديث في الفراغ. وفي أفضل الأحوال، كما برهن ارييل شارون، يساعد ضعف السلطة في أن تملي اسرائيل الحلول التي تريدها، حتى لو كانت تخريبية وغير سلمية، فتبدو في الخارج كمن يمنح أرضاً وامتيازات الى من لا يستحقون، بدليل ما يحصل في قطاع غزة حيث لم يعد هناك احتلال مباشر ولا مستوطنون.
لكن خطة إضعاف السلطة بدت laquo;مفيدةraquo; اسرائيلياً لبعض الوقت، إلا أنها بدأت تعطي مفاعيل عكسية. فالاسرائيليون يشكون اليوم، حين يستشرفون مرحلة ما بعد شارون، من أن الوضع الفلسطيني المتوتر يتسبب لهم بالقلق. حتى أنهم يلومون السلطة على ضعفها. صحيح أن هناك أصواتاً تشير الى مسؤولية اسرائيل نفسها في هذا الضعف، إلا أن أعضاء الحكومة لن يعترفوا بذلك، لأنهم في هذه الحال سيضطرون للإقرار بوجوب تغيير النهج والشروع في تعزيز السلطة وقواها الأمنية. والواقع ان لا بديل من هذا الخيار إذا كانت هناك سياسة جادة لاجراء نقلة نوعية في الوضع الفلسطيني - الاسرائيلي. إذ لا يمكن اسرائيل ان تستفيد الى ما لا نهاية من إضعاف السلطة وتشجيع الفوضى في آن.
على الجانب الفلسطيني، وعلى رغم ان الرئيس محمود عباس حسم إمكان استخدام القوة ضد كل من يحاول تخريب الانتخابات، يبقى الرهان معقوداً على الانضباط الذي استطاع الفلسطينيون تكريسه في أوقات الشدة. فالمصلحة في اجراء الانتخابات أكبر من مصلحة هذا الفصيل المحلي أو تلك المجموعة الغاضبة، مهما كانت الأسباب مبررة ومشروعة. ولا أحد يقبل، فلسطينياً كان أم غير فلسطيني، بأن تصادر مجموعات صغيرة إرادة الشعب أو أن تخضع مصلحته الوطنية لمغامراتها.
التعليقات