الخميس:12. 01. 2006


حازم صاغيّة

ذات مرّة وصف ماوتسي تونغ السياسة بأنها laquo;توسيع دائرة الأصدقاء وتضييق دائرة الأعداءraquo;. وما تفعله إيران، اليوم، هو، تحديداً، توسيع دائرة الأعداء وتضييق دائرة الأصدقاء والأصدقاء المحتملين.

فنشاطها النووي الغامض والملتبس يقرّب أوروبا من الموقف الأميركي الراغب في إحالة الموضوع الى مجلس الأمن، فيما يعلن محمد البرادعي، بالنزاهة التي يُسلّم له بها، عن قلقه وبرمه باستئناف التخصيب الإيراني. أما روسيا، المصدر التقنيّ لإيران، والدولة المتعهّدة إكمال محطّة بوشهر النوويّة، فمحرَجةٌ بصداقتها وقد تتجه تدريجاً، على ما يتوقّع مراقبون كثر، الى تبنّي موقف شبيه بمواقف سائر الأوروبيين. وغنيٌ عن القول إن الرعب الذي ينتاب الجار الخليجي بادٍ في سلوك مسؤولي المنطقة وتصاريحهم، بينما بدأ لبنانيون متزايدو العدد يُبدون مخاوفهم من تجديد استخدام laquo;الساحة اللبنانيّةraquo; لخوض معركة التخصيب في طهران. ومعروفٌ أيّ بُعد انقساميّ يثيره في العراق تمدّد النفوذ الإيراني إليه أو، بالأحرى، توسيع تمدّده وتعزيزه بأسنان نوويّة.

وإلى طبيعة نظام آيات الله التي لا تثير أي ارتياح، ولا تبعث، في أي مكان، على أية ثقة، سلك مسار المشكلة طريقاً تضاعف الريبة والشكّ. فما تفعله طهران جاء الإعلان عنه، صيف 2002، لا منها، بل من طريق منفيين ولاجئين إيرانيين كشفوا أن بلادهم تبني مجمّعاً ضخماً لتخصيب اليورانيوم في ناتنز، وآخر للماء الثقيل في أراك، من دون إطلاع الأمم المتحدة عليهما. وفي آخر العام نفسه، التقطت الأقمار الاصطناعيّة صوراً لناتنز وأراك، قبل أن توافق طهران على اخضاع نشاطها للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة. وفي حزيران (يونيو) 2004، خطّأت الوكالة رواية طهران وأكدت أن تعاونها ناقص. وفي نهاية العام ذاك، علّقت طهران مشروعها، وجاء التعليق جزءاً من اتفاق مبرم مع الاتحاد الأوروبي. بيد أنها عادت، في آب (اغسطس) الفائت، لترفض الاقتراحات الأوروبيّة معلنةً استئناف العمل في مجمّع بأصفهان.

وفي الغضون هذه، واجهت إيران بالرفض اقتراحاً روسيّاً مفاده أن تمضي في تخصيبها المدنيّ على أراضي روسيا. وبالمناسبة، رأى علي لاريجاني، الأمين العام لمجلس الأمن القومي، أن laquo;من غير المنطقيّ أن يعهد بلد ما بأمنه في الطاقة الى بلد آخرraquo;.

ترافق هذا، ويترافق، مع تصريحات لا تفاقم المخاوف فحسب بل تظهّر الطابع العدميّ والشمشونيّ لما يفعله الإيرانيّون. فلاريجاني إيّاه يشدّد على أنه laquo;إذا ما لحقت بنا هزيمة ما فإن الآخرين ستلحق بهم الهزيمة في المنطقةraquo;. أما الرئيس أحمدي نجاد، صاحب وجهات النظر laquo;الأكاديميّةraquo; في التاريخ الأوروبي، فبات يهاجم laquo;سياسة التودّد لأوروباraquo; كما اتبعها سلفاه هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي.

ذاك أن اكتمال الحالة الأصوليّة، كما يتجسّد في أحمدي نجاد، يكمّل صورة laquo;الغربraquo; بوصفه نقيضاً كاملاً مستوياً ومتجانساً. وraquo;غربٌraquo; كهذا لا يعود ينضح بغير الضديّة المطلقة ولا يملك مما يُستفاد منه إلا... السلاح النووي!

والحال أن المشكلة يكمن جذرها في النظرة هذه التي تذهب الى أن التقدّم إحراز لأسلحة دمار شامل، ولو صحبه عجز عن انتاج حنفيّة ماء، وترى الطريق الى النفوذ الاقليمي معبّداً بالخوف من مقالة في جريدة. ومن أجل إحراز هذين laquo;التقدّمraquo; وraquo;النفوذraquo;، تُـتّبع استراتيجيّات تهدّد كل حياة تدبّ على الأرض. وهي شيمة نظام سبق له أن ابتكر تفجير الأطفال في حقول الموت الحربيّة ولا يزال، في فنون الموت وتمجيده، يوالي إبداعاته.