ذاكرة المستقبل
جمعة اللامي
ldquo;ضَعْ كلّ روحكَ في الإبداعrdquo;
(فيكتور هوغو)
قبل خمس وعشرين سنة لم تكن هذه الحديقة الكبيرة خضراء. كنت أطل من الطابق الحادي عشر، في ldquo;بناية المهندسينrdquo;، على سور طويل، طويل جداً، ورمل، وقناني فارغة، وهيكل سفينة من اسمنت، وبقايا قطط وكلاب نافقة.
اليوم، بعد خمس وعشرين سنة، صار سور الحديقة أخضر، وانقسمت الرقعة الخضراء الى نصفين يتوسطهما المسجد الأبيض، بينما ولدي الأصغر صار عمره خمساً وعشرين سنة.
كنا نقطن في تلك الشقة، الشقة التي في الطابق الحادي عشر ونطل من ldquo;بناية المهندسينrdquo; على رصيف املح، الآن صار الرصيف أخضر، كما اتسع الاخضرار في الحديقة، بل ان الخضرة تصاعدت في الفضاء أيضاً.
سألت موظف البلدية: كم نخلة في الحديقة؟ أخبرني انه لا يعرف العدد الآن، ولكن ربما يخبرني غداً. وقال انه سيذهب الى البلدية غداً.
ldquo;نعم، سيكون العدد عندكrdquo;. كنت أفكر: ldquo;هل سيحدثني عن نوع الأزاهير؟rdquo;، ثم انني شكرته وغادرت الحجرة الصغيرة، رغم رجائه ان أتريث قليلاً وأتناول كأس شاي معه.
الشقة على يمين ldquo;شارع عبدالناصرrdquo;.
وفي هذا الشارع، بل في شارع يتفرع منه، ثمة شقة في دور ما، كان يقطنها غانم غباش وزوجته أمينة أبوشهاب. هناك، في شقة غانم، التي في شارع فرعي يقود الى شارع عبدالناصر، تناولت شاياً عراقياً، واستمعت الى صوت الفنان العراقي فؤاد سالم.
لا يزال مذاق شاي غانم غباش فوق لساني. وهناك في شقته، تعرفت الى عبدالحميد احمد، وظبية خميس، وراشد حمية، ومحمد الحربي. كان ذلك في النصف الأول من سنة 1980.
بعد ذلك، في شقة غانم غباش، المطلة على شارع فرعي يقود الى شارع عبدالناصر، استمعت من غانم الى الفكرة الأولى لإنشاء اتحاد كتاب وأدباء الامارات. كان غانم مبتهجاً وهو يقول لي: ldquo;جمعية ذات نفع عامrdquo;.
كنت أتحدث عن ldquo;مركز ثقافيrdquo; بعيداً عن أي ايديولوجيا: ldquo;يا أبا مروان، ان الوضع الأفضل هنا، كما أرى، هو اشاعة العمل الثقافي من دون تأطير سياسي او ايديولوجيrdquo;.
في تجربتنا العراقية، عندما غلب التأطير السياسي والايديولوجي على تشكيل ldquo;اتحاد الأدباء العراقيينrdquo; بعد (14) تموز ،1958 ثم في هيكليته الرأسية بعد قيام ldquo;الجبهة الوطنية والقومية التقدميةrdquo;، بين حزب البعث والحزب الشيوعي، تكرست السياسة على حساب الثقافة، وغلبت الايديولوجيا الإبداع: في مجلس إدارة الاتحاد كان ثمة (5) بعثيين، و(5) شيوعيين، و(5) مستقلين. كنت أحد الخمسة الأخيرين، وكانت مجلة اتحاد الأدباء تخضع للعمل الجهوي، وكذلك الندوات، ومثلها ابتعاثات السفر، وكذلك المعارك اللسانية، مثلما حديقة الاتحاد أيضاً.
شرحت بإسهاب هذه الحالة لغانم غباش، حين كنا نصعد الى شقتي الثانية في شارع عبدالناصر، أيضاً، فيما هو على كرسيه المتحرك يمسح بغترته جبهته، ويقول: سيشهد شارع عبدالناصر على هذا الحديث.
زرت شارع عبدالناصر قبل اسبوعين، ورأيته جديداً تماماً.
التعليقات