السبت:14. 01. 2006
توماس فريدمان
في شهر سبتمبر المنصرم، تحدث روبرت زوليك نائب وزيرة الخارجية الأميركية إلى اللجنة القومية للعلاقات الأميركية- الصينية، مكرراً حثه للصين على أن تكون دولة وصية على الرهان، يعول عليها في النظام الدوليmiddot; لكن فيما اتضح لاحقاً، فإن اللغة الصينية تخلو من مفردة تقابل معنى ''الوصي على الرهان'' مما أثار ربكة وحيرة المسؤولين الصينيين، ودفعهم إلى البحث عن معناها في مختلف المعاجم والقواميسmiddot; وبعد فهل كان السيد زوليك يعني ''حامل شرائح اللحم'' لا سيما وأن المناسبة التي تحدث فيها، صادفت وقت تناول الغداء؟ ومن يدري فربما كانت تلك هي عامية أهالي ولاية تكساس، وطريقتهم في مطالبة الصين بشراء المزيد من لحم البقر الأميركي! ومهما يكن، فقد توصل الصينيون إلى تأويل صحيح للمصطلح بعد لأي وجهد ومكابدة مع القواميسmiddot;
وفي لحظتها كان قد خطر لي أن زوليك يثير موضوعاً على قدر من الأهمية، إلا أنني اليوم أصبحت قانعاً بإلحاحه أيضاًmiddot; لماذا ذلك يا ترى؟ الإجابة هي عزم إيران وإلحاحها على تطوير قنبلتها النووية، مع العلم بأن الدول الوحيدة القادرة على لجم إيران ووقفها عن هذا الاندفاع النووي -بالوسائل الدبلوماسية- هي الصين وروسيا والهندmiddot; والأمل كل الأمل معقود الآن على تحرك هذه الدول، لأنه وفيما لو تمكنت إيران من تطوير ترسانتها النووية، فإن ذلك يعني انفراط عقد النظام الدولي الذي ظل سائداً منذ نهاية الحرب الباردةmiddot;
يذكر أن طهران قررت هذا الأسبوع، تحدي كل من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والأمم المتحدة، إلى جانب تحديها السافر للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك بإزالتها للشمع الأحمر الذي أغلقت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثلاثة من المواقع والمنشآت النووية الإيرانية، بما يعني اعتزام طهران المضي قدماً في تخصيب اليورانيوم، بكل ما يعنيه ذلك من عزم على تطوير القنبلة النوويةmiddot; وكانت الوكالة الدولية قد أغلقت تلك المنشآت منذ حوالى عامين ونصف العام تقريباً، بعد أن تأكد لها انتهاك طهران لنصوص وبنود معاهدة حظر انتشار الأسلحة النوويةmiddot; وكان ممكناً حينها إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدوليmiddot; لكن وبدلاً من تلك الخطوة، قرر الأوروبيون مواصلة مساعيهم الرامية إلى وضع حد سلمي للأزمة النووية الإيرانية، مقابل موافقة طهران على الإبقاء على تلك المنشآت مغلقة كما هيmiddot;
ولما كان الحال كذلك، فلماذا أصبح هذا الواجب بمثابة ''وصاية على الرهان'' يقع العبء فيها على كل من الصين وروسيا والهند؟ والإجابة هي أن الزعماء الدينيين الإيرانيين يجيدون قراءة مكامن الضعف والقوة في الموقف الدوليmiddot; فهم يدركون حالياً أن الولايات المتحدة استنفدت فرض كافة أنواع العقوبات التي بوسعها فرضها على بلادهمmiddot; ومقابل هذا فإن لديهم شكوكاً عظيمة وكبيرة جداً في أن يخطو الأوروبيون إلى فرض أي عقوبات إضافية عليهمmiddot; ومنبع هذه الثقة الإيرانية في عجز الأوروبيين، هو إدراكهم لعدم قابلية الصين وروسيا والهند على الانضمام إلى الصف الأميركي- الأوروبي، حتى في حال توبيخ مجلس الأمن الدولي لبلادهم، وحتى في حال انضمام أوروبا إلى الموقف الأميركي الداعي إلى فرض عقوبات دولية على طهرانmiddot; لذا فإن الحالة الوحيدة التي يمكن فيها إرغام طهران على التراجع وثنيها عن عنادها، هي إعلان كل من الصين وروسيا والهند، تأييدها لإحالة الملف النووي الإيراني لمجلس الأمن، فضلاً عن تأكيد استعداد الدول ذاتها لدعم اتجاه فرض عقوبات اقتصادية مشددة على طهرانmiddot; وما لم تبادر الدول الثلاث المذكورة، إلى الإعلان الصريح عن موقف كهذا، فإن ما يسمى بـ''التهديدات الغربية لإيران'' لن يكون سوى صفر على الشمال، مثلما استخف به الرئيس الإيراني أيما استخفاف في خطابه العام الذي ألقاه يوم الخميس الماضيmiddot; يشار إلى أن روسيا والصين الشيوعيتين، كانتا تعارضان الولايات المتحدة الأميركية طوال سنوات الحرب الباردة، بينما اتخذت الهند الاشتراكية موقفاً محايداً من المواجهة بين المعسكرينmiddot; ولكن الذي حدث على إثر انتهاء الحرب الباردة، هو احتضان الدول الثلاث للنظام الرأسمالي، ودخولها فيه طولاً وعرضاًmiddot; ولذلك فقد أصبحت الدول الثلاث نفسها من أكبر المستفيدين من النظام العالمي الجديد القائم الآنmiddot; وها هي روسيا تمد النظام العالمي بالنفط والغاز، بينما تغذيه الصين بصناعاتها المتنوعة الكثيرة، في حين تغنيه الهند بمهاراتها وتقنيتها في مجال البرامج التشغيلية وهندسة الحاسوبmiddot; وللسبب ذاته، فإن لكل من الدول الثلاث سهماً رئيسياً في الحفاظ على استقرار النظام العالميmiddot;
ولكن الذي يحدث عملياً أن كلاً من الصين وروسيا، تؤثران التحليق واللعب بعيداً عن حلبة مسؤوليتهما إزاء استقرار النظام العالمي، بل إنهما استغلتا في بعض الأحيان، نفوذهما وقوتهما العالمية في دعم الأنظمة السيئة، مثلما رأينا في دعمهما للنظامين الإيراني والسوداني، ونظام بيونج يانجmiddot; وعادة ما تكون الدولتان المذكورتان مدفوعتين في مواقفهما هذه، بدوافع جد أنانية وضيقة، لا تقيم وزناً لأي قضية أخرى، عدا تحقيق مصالحهما الاقتصادية الخاصةmiddot;
ولكن حانت اللحظة التي تعين فيها على هاتين الدولتين -ومعهما الهند بالطبع- الدخول إلى حلبة المسؤولية عن استقرار الأمن والنظام الدوليينmiddot; وفيما لو تمكنت طهران من تطوير قنبلتها النووية، فإنها ستشيع حالة من الاضطراب والقلاقل، في منطقة لديها سلفاً ما يكفيها، من العراق إلى إسرائيل وصولاً إلى تخوم القارة الأوروبية نفسهاmiddot;
التعليقات