الإثنين:16. 01. 2006

فنجان قهوة
أبو خلدون


في إحدى الحفلات التي أقيمت بعد الحرب العالمية الثانية بمناسبة انتصار الحلفاء على ألمانيا واليابان، سألت إحدى السيدات السير وينستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا: ldquo;هل تشعر بالقلق لما سيقوله التاريخ عنك؟rdquo; فأجابها بهدوء: ldquo;أبدا، لأنني أنا من سيكتب التاريخrdquo;.

والتاريخ يكتبه المنتصرون، والتاريخ الذي يقرؤه العالم حاليا كتبه الغربيون، وهو تاريخ مشوه هدفه إظهار عظمة الحضارة الغربية، حتى لو اقتضى الأمر تزييف الحقائق. وفي هذا التاريخ نقرأ أن أوروبا هي التي بدأت عصر الكشوفات الجغرافية، وأن كريستوفر كولمبوس اكتشف أمريكا عام ،1492 والرحالة البرتغالي دياس اكتشف رأس الرجاء الصالح عام ،1488 وماجلان قام برحلة حول العالم وأثبت كروية الأرض عام ،1519 والكابتن كوك اكتشف استراليا عام ،1769 أما الحقيقة التي أغفلها المؤرخون الغربيون بشكل متعمد فهي: أن كل هذه الكشوفات قام بها أدميرال صيني مسلم اسمه الحاج زينج، وأثناء رحلاته زار السعودية وأدى فريضة الحج.

والصين خصصت عام 2005 للاحتفال بالذكرى المئوية السادسة للرحلات الاستكشافية السبع التي قام بها هذا الأدميرال العظيم الذي يطلق عليه الصينيون لقب ldquo;أدميرال البحار الغربيةrdquo; ويعتبرونه من أبطالهم القوميين ومن أعظم الأدميرالات في تاريخهم. وشملت الاحتفالات إقامة نصب تذكارية له في الساحات العامة في المدن، وإطلاق اسمه على العديد من الحدائق، وإقامة متحفين يضمان نماذج عن سفنه. ومفاجأة العالم تتمثل في الكشف عن خريطة تاريخية للعالم تعود إلى عام ،1418 أي قبل وصول كولمبوس إلى الشاطىء الأمريكي بما يقرب من ثمانية عقود، أعدها مو يي تونج الذي كان يرافق الحاج زينج في رحلاته، وفي الخريطة تظهر تعرجات سواحل افريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية والوسطى بصورة واضحة تماما، وإلى جانبها هوامش وتعليقات تثبت أن الحاج زينج وصل إلى هذه السواحل وجال فيها، وأن الصينيين كانوا على دراية دقيقة بخطوط الطول والعرض وبكروية الأرض، وإلى جانب الساحل الأمريكي إشارة تقول: ldquo;لون العرق الذي يسكن هذه الأراضي بني داكن، وهم يضعون الريش على رؤوسهم وخصورهمrdquo; وعلى استراليا إشارة تقول ldquo;لون سكان هذه البلاد بني داكن، وهم يسيرون عراة، ويعلقون بعض العظام على خصورهمrdquo;. وتخضع الخريطة حاليا للفحص في مختبرات جامعة وايكاتو في نيوزيلنده، وسوف تعلن نتائج الفحوصات في الشهر المقبل، أما الصينيون فإنهم يقولون إن الفحوصات التي أجروها أثبتت أن الخريطة أصلية.

والخريطة الآن في حوزة ليو جانج الذي يعتبر من أبرز المحامين في الصين، وهو يقول إنه اشتراها بمبلغ 500 دولار من تاجر تحف في شنغهاي وعرضها على خمسة خبراء أكدوا له أنها أصلية والطريف أن ولاية كاليفورنيا تظهر على الخريطة كجزيرة، وفي الخرائط البرتغالية القديمة تظهر كاليفورنيا على هذا الشكل، مما يدفع الدارس إلى الاعتقاد أن هذه الخريطة كانت معروفة في البرتغال وأوروبا منذ بداية القرن السادس عشر.

والخريطة ذات أهمية تاريخية بالغة، وربما تؤدي إلى إعادة كتابة صفحات طويلة جدا من تاريخ أوروبا، ولكن المهم في ذلك كله هو: إن الحاج زينج الصيني اكتشف العالم الجديد، ولم يحاول استغلاله لا سياسياً ولا تجارياً، أما أوروبا التي تنسب لنفسها فضلا ليس بها، فقد استعمرت الأراضي التي اكتشفتها واستغلت شعوبها، ثم نظمت عمليات إبادة ضدهم، وتفسر صحيفة الشعب الصينية ذلك بالقول: إن الحضارة الغربية خالية من النوازع العدوانية، وهدفها تحقيق الصداقة وحسن العلاقات بين الشعوب، بعكس الحضارة الغربية التي تزود قوتها بأظافر حادة.

[email protected]