(3)


عقيل سوار

‬من مصادر شبهة تقتير علي‮ ‬سيار،‮ ‬وذنوبه أيضاً‮ ‬،‮ ‬أنه كان‮ ‬يستخدم الضغوط المادية لإدارة العمل في‮ ‬الجريدة‮ ‬،‮ ‬فقد كان‮ ‬يحجب عنا بين فترة وأخرى وجبة العشاء‮ ‬،‮ ‬التي‮ ‬يقدمها‮ ‬ليلة صدور الجريدة،‮ ‬كلّما شعر أن إصدار الجريدة بدأ‮ ‬يتأخر عن الموعد‮ ‬،‮ ‬فهل هذا السلوك المزاجي‮ ‬غير الحميد إدارياً‮ ‬،‮ ‬يرقى لوصف سيار بالتقتير والبخل،‮ ‬وهل هو دليل على مزاجية مستحكمة في‮ ‬شخصية علي‮ ‬سيار الإنسانية والصحافية ؟
‮ ‬عن نفسي،‮ ‬فإنني‮ ‬لا أزال أجد في‮ ‬علي‮ ‬سيار ملاذاً‮ ‬،‮ ‬أحن إليه وأتوق لرفقته على الصعيدين الشخصي‮ ‬والمهني،‮ ‬ولطالما وجدت في‮ ‬شخصيته الصحافية،‮ ‬وفي‮ ‬سيرته المهنية الغنية ما‮ ‬يغذي‮ ‬حاجتي‮ ‬في‮ ‬تمثل إنموذج الصحافي‮ ‬والوطني‮ ‬الذي‮ ‬لا تندلق مزاجيته الخاصة،‮ ‬خلف حدود الثوابت الصحافية والوطنية،‮ ‬وقد كان لعلي‮ ‬سيار في‮ ‬هذا الصدد‮ ‬،‮ ‬شخصية ثابتة لم تتبدل ولم تتأثر بالمزاج‮ ‬،‮ ‬إلا في‮ ‬حدود المقتضيات الطبيعية لتراكم سنوات العمر‮ ‬،‮ ‬واختلاف بيئة العمل السياسي،‮ ‬وما‮ ‬يقتضيه هذا الاختلاف من تغير في‮ ‬صيغة الخطاب والمواقف‮ ‬،‮ ‬وإذا‮ ‬كان لي‮ ‬في‮ ‬هذا الصدد أن أختصر شخصية على سيار اختصاراً‮ ‬دلالياً‮ ‬مفيداً،‮ ‬فسأدون‮ ‬أنه لم‮ ‬يكن قط مع السلطة أو ضدها بخفة أو تفريط‮ ‬،‮ ‬وهو لم‮ ‬يكن قط مع الطائفة أو ضدها بخفة أو تفريط‮.‬
إزاء هذا الرسم الأولي‮ ‬لشخصية علي‮ ‬سيار،‮ ‬ليس‮ ‬غريباً‮ ‬أن أتباين مع بعض الذين عاصروا وعملوا معه‮ ‬،‮ ‬إذ لا بدّ‮ ‬لمن‮ ‬يتمثل النموذج الصحافي‮ ‬البحريني‮ ‬تمثلاً‮ ‬مختلفاً‮ ‬عن تمثلي‮ ‬له،‮ ‬أن‮ ‬يأتي‮ ‬تقييمه لعلي‮ ‬سيار منسجماً‮ ‬مع تمثله،‮ ‬فأصحاب النزعات الطائفية لن تبارح ذاكرتهم نبرة علي‮ ‬سيار الحادة في‮ ‬كتاباته المتعلقة بالسلوك والظواهر الاجتماعية،‮ ‬القابلة للتأويل طائفياً‮ ‬أو سياسياً،‮ ‬مثل نقده المستمر لقضية الإفراط في‮ ‬التكاثر‮ ‬غير المنظم،‮ ‬أو الإسراف في‮ ‬إقامة الشعائر الدينية،‮ ‬كاستخدام مكبرات الصوت لرفع الأذان بطريقة‮ ‬غير رشيدة وغير هذا مما لازال علي‮ ‬يقول به بالرغم من تدينه الآخذ في‮ ‬الزيادة‮ ‬في‮ ‬المراحل المتقدمة من عمره‮ ‬،‮.. ‬كما لا بد أن أتباين مع الذين‮ ‬يخلطون بين السياسي‮ ‬والصحافي‮ ‬فهؤلاء سوف لن‮ ‬يعجبهم إنموذج علي‮ ‬سيار الحريص على عدم الخلط‮ ‬بين‮ ‬الموقف الأخلاقي‮ ‬الموتور بما‮ ‬ينشأ عليه الإنسان من حب للناس وللعدل والمساواة والخير وما إلى‮ ‬ذلك مما نختصره عادة اختصاراً‮ ‬غير دقيق وغير حكيم في‮ ‬تعبير‮ (‬الموقف الوطني‮) ‬،‮ ‬وبين الموقف السياسي‮ ‬الموتور‮ ‬،‮ ‬بنوازع الاختلافات اليومية والنوازع الحزبية أو الطائفية أو الطبقية‮.‬
للحديث صلة