يوسف الديني

في خطوة لافتة انتقدت منظمة laquo;هيومن رايتس ووتشraquo; كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا ودولاً أوروبية بشأن laquo;صمتهاraquo; تجاه انتهاكات لحقوق الانسان في الشرق الاوسط وافريقيا. الأمر الذي حدا بـ كينيث روث، المدير التنفيذي للمؤسسة، أن يهاجم طريقة الرئيس الأمريكي جورج بوش في حملته ضد الإرهاب، التي اعتمدت على استراتيجية التعذيب وإساءة المعاملة التي لا يمكن تبريرها بالتصرفات الفردية .

بإزاء نقد هذه الانتهاكات الحقوقية ركزت المنظمة على معضلة حقوق الإنسان في العالم العربي على مستوى العلاقات الدولية والثقل الدولي، الذي يمكن أن يساهم في خلق دافع على المزيد من الحريات. إلا أن المهم في هذا التقرير، من وجهة نظري، هو التحدث لأول مرة بشكل صريح عن الآثار الخطيرة على معالجة ملف الإرهاب من زاوية أمنية فقط، بدون إعطاء الأولوية للجوانب الفكرية والثقافية، وهو الأمر الذي ظل منذ رفع شعار الحرب على الإرهاب مقتصراً على النخب الثقافية التي لم يتم الإصغاء إلى صوتها كثيراً، بل وقعت بين فكَّي كماشة. فهي من وجهة نظر الإرهابيين والمتعاطفين معهم طابورٌ خامسٌ يكتفي بنقد معضلة التطرف والإرهاب المسلح من ناحية الحجج الدينية لهذا الخطاب. هذا من جهة الارهابيين والمتعاطفين معهم، وهي من وجهة نظر الذهنية العسكرية في الإدارة الأمريكية لا تنظر إلى قضية الإرهاب بحجمها الحقيقي، لكن التقرير تحدث بشكل غير موارب عن أن laquo;الاساليب غير القانونية أدت الى زيادة قدرة الارهابيين على تجنيد الناس، وأضعفت الجهد الشعبي لجهود مكافحة الإرهابraquo;.

إن مشكلة الإدارة الأمريكية الآن هي أنها ما زالت تقتات على كارثية 11 سبتمبر بشكل يجعلها تتجاوز الأطر الحقوقية والقانونية التي قامت عليها ديمقراطيتها، وهذا ما انعكس سلباً حتى على المؤيدين لها في حربها على الإرهاب. وما انتهاكها لسيادة باكستان، لضرب أهداف متوهمة لا نعرف من ضحايا هذه الضربة، حتى الآن، غير أبرياء، إلا أحد المؤشرات الخطيرة على ذلك التوظيف السلبي لملف مكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي قوبل بكثير من الاستهجان الشعبي الذي بدأ يتعملق ويرى عدم وجود فروقات كبيرة بين الإرهاب ومن يحاربه! هذا إذا ما استثنينا في المقابل شرائح غير قليلة داخل المجتمعات العربية والإسلامية لا تنظر إلى المسألة برمتها بشكل جدي في ظل جمود الملفات السياسية العالقة؛ إنْ في العراق أو فلسطين، والتي تزداد تعقيداً وتشابكاً يوماً بعد يوم.

إن المستفيد الأول والأخير من هذا التصعيد العسكري غير المتزن هو الإرهاب المحارب، فهو يزداد قوة ومنعة في ظل اكتساب المزيد من الأنصار الذين اصبح استقطابهم سهلاً ما دام أن المواجهة بالنسبة إليهم تحولت إلى laquo;فسطاطينraquo; لا ثالث لهما، فالأخطاء في حرب كهذه يتم ترجمتها عادة إلى مواقف حدية منفعلة تنتظر لحظة الغليان التي يغيب معها أي حديث عن المنطق والعقل.

المخرج من هكذا أزمة هو اجتراح laquo;طريق ثالثraquo; خارج عسكرة قضية الإرهاب التي هي قضية آيديولوجية ثقافية بالدرجة الأولى، وذلك من خلال تدويل laquo;مكافحة الإرهابraquo; بحيث تشارك فيه جميع الدول وعبر برامج استراتيجية طويلة المدى على الصعيد الفكري والتربوي والاجتماعي والاقتصادي .. مع إعادة الاعتبار لملف laquo;الحقوقraquo; ليصبح ذا صبغة دولية ولو عبر ميثاق عالمي لحقوق الإنسان وتعريف الإرهاب وطرق مكافحته، ويجب والحال كذلك أن لا يستهان بثقل المجتمع الدولي، فهو في قضية صحية كإنفلونزا الطيور استطاع بجدارة أن يتجاوز السقف المتوقع ويرصد ميزانية ناهزت الميلياري دولار، فما بالنا لو أعطي الفرصة لوضع استراتيجية لمحاربة laquo;إنفلونزا العقولraquo;؟

الإرهاب معضلة دولية، وكل المؤشرات تؤكد أنه ظاهرة قابلة للتمدد والانتشار إذا تمت معالجته بشكل انفرادي وحصري وعبر ذات اللغة التي يستخدمها خطاب الارهاب! ودون هذا laquo;التدويلraquo; وإيجاد الطريق الثالث للخروج من ثنائية laquo;المارد المجروح والوحش المقهورraquo; لن تكون الأحوال بأسوأ مما هي عليه الآن.