د. عبدالعزيز المقالح

رغم التجاذبات الشديدة والحادة أحياناً بين الداخل العربي والخارج ورغم الدعوات الملحة من الجميع علي أهمية الإصلاحات السياسية والاقتصادية فإن الواقع العربي- كما يبدو في اللحظة الراهنة- يمضي بخطي سريعة نحو المجهول. ولم تتمكن الترقيعات المتلاحقة والمصحوبة بتصريحات من المسؤولين الكبار يناقض بعضها بعضاً من إيجاد بارقة أمل واحدة تعيد إلي المواطن العربي ثقته بالمستقبل، ناهيك عن حالة الاحتراب الصامتة التي تقودها بعض الأحزاب الناشئة في الوطن العربي مع السلطات الحاكمة من ناحية ومع منافسيها المحتملين من ناحية ثانية كما هو الحال في مصر العربية علي سبيل المثال والتي كانت وما تزال- شاء البعض أم أبوا- تشكل القدوة والمثال.

في قلب هذه التجاذبات والمعارك الطاحنة خرج إلي النور مولود سياسي عربي جديد بولادة قيصرية، وهذا المولود يسمي البرلمان العربي وعلي الرغم من أنني أحسب نفسي واحداً من المهتمين بقضايا الأمة العربية، فقد فوجئت بولادة هذا المخلوق كما فوجيء به غيري من المعنيين بالشأن السياسي العربي ومنظماته القومية، فلم يسبق ظهوره أي نقاش يذكر علي أي مستوي كما لم يتم استطلاع آراء أي عدد من رجال الفكر والصحافة وتم الاكتفاء بالتشاور بين الحكام لاختيار رديف شاحب وباهت للجامعة العربية من شأنه أن يزيد هذه المنظمة المهترئة ضعفاً واهتراء، ولن يحقق وجوده المرتجل أي غرض لصالح الأمة وخدمة قضاياها مهما حاولت بعض الأقلام الخجولة وبعض الشخصيات الحكومية في هذا البلد أو ذاك الإشادة به والتخفيف من صدمة المفاجأة بمولده بالإشارة إلي أنه يمثل مرحلة انتقالية وصيغة قابلة للتعديل والتطوير!! وهو كلام قيل حرفياً عند إنشاء حاضنته الجامعة العربية.

لقد كان الحديث- وما يزال- ساخناً حول هذه المنظمة التاريخية العجوز الجامعة العربية وهل بقي لها دور بعد أن أصبح الكيان الصهيوني الذي قامت من أجل محاربته ضيفاً علي موائد معظم الأقطار العربية وصارت له سفارات ومكاتب اقتصادية في أكثر من بلد عربي عضو في هذه الجامعة العتيدة، وبعد أن أثبتت عجزها الصارخ تجاه كل المشكلات والعواصف التي ألمت بعدد من الأقطار العربية، ولا أريد أن أنكأ جراحنا الوطنية بالإشارة إلي موقفها المؤسف ولا أقول المخزي من محاولة الانفصال وإعادة تشطير الوطن الواحد، كما لا أريد أن أتوقف طويلاً عند دور أهم أعضائها في ذبح العراق وإخراجه- وهو قاعدة العروبة- من العروبة، مهما كان خطأ حكامه السابقين أو خطاياهم.

لقد كان الحديث- كما سبقت الإشارة- يدور حول الجدوي المترتبة علي بقاء مثل هذه المنظمة الفاشلة بكل المعاني والمعايير وإذا بالمواطن العربي يفاجأ بمولود رديف يشاركها حالات العجز والفشل المستقبلية، ولقد ذكرني هذا المولود الجديد في أحضان الجامعة العربية بحكاية ذلك الأحدب القروي الذي ذهب إلي طبيب في المدينة ليزيل حدبته لكنه عاد إلي قريته بعد أن أضاف إليه الطيب حدبة ثانية، ولا يختلف أمر هذا البرلمان مع الجامعة العربية التي كانت مرهقة بحمل حدبة واحدة فصار عليها في هذه الظروف القاسية أن تحمل حدبتين. وكأن ما ينقص العرب لتستقيم أمورهم وتنتهي مشكلاتهم هو هذا البرلمان الهامشي الذي ولد ميتاً وتحاشت حتي الصحف الحكومية في عدد من الأقطار العربية الحديث عنه أو تسليط الضوء عليه لا لأنه جاء في غير أوانه، وخارج سياق المرحلة فحسب، وإنما لأنه زائد عن الحاجة.

إن الوطن العربي- يعاني ومنذ وقت ليس بالقصير- من فراغ خطير، وهو ما يجعل كل القوي العالمية في حالة سباق علي هذا الفراغ واستغلال حالات التنافر المعلنة والمستترة بين القادة العرب فأين موقع البرلمان العربي الجديد من هذه الحقيقة المحزنة وما دوره في إيقاف حالات التدهور التي تهدد الوجود العربي برمته !


تأملات شعرية :

ناموا يا أبطال الساحة

ناموا

بغداد تموت

القدس علي أيديكم

شبعت موتاً

والجلادون يمدون شباك الصيد

إلي مدن أخري

وإلي الأرض المعمورة بالزيت

أرجوكم: ناموا.