الثلاثاء:24. 01. 2006

على امتداد المناطق الشاسعة في ماكامي بولاية تكساس، حيث حقول النفط آخذة في النضوب والتراجع، وحيث الأفاعي تتجاوز عدد سكان البلد، تجتاح المنطقة هذه الأيام موجة جديدة من البحث عن الطاقة البديلة، بعدما كانت في السابق مكاناً تنتشر فيه آبار النفط المتدفقة التي تنفث الذهب الأسود في السماءmiddot; لكن بدلاً من التنقيب في باطن الأرض بحثاً عن النفط، يتم في هذه الأيام نصب مراوح هوائية شاهقة الارتفاع لالتقاط الرياح وتحويلها إلى طاقة نظيفة تعوض النقص في النفط والغاز الطبيعيmiddot; وبينما كانت بلدة ماكامي في تكساس تعج في السابق بالرافعات والحفارات الضخمة، تنتصب اليوم أكثر من 860 مروحة هوائية تديرها الرياح برتابة، لكن بعناد ينتج طاقة غير ملوثة للبيئة يتم نقلها إلى المدن الرئيسية في ولاية تكساسmiddot; وفي هذا السياق يقول شيري فيليبس، عمدة بلدة ماكامي بنوع من الفخر والاعتزاز ''لقد أصبحنا نطلق على مدينتنا عاصمة الطاقة المعتمدة على الرياح في تكساس''middot;
ومع انتشار المحطات الهوائية على امتداد الولايات المتحدة من نيويورك إلى تكساس ثم كاليفورنيا، عادت طاقة الرياح لتتصدر الواجهة مجدداًmiddot; وتتوقع التقارير أن تصبح الولايات المتحدة أكبر سوق عالمي لتوليد طاقة الرياح في العالم نظرا للنمو الكبير الذي يشهده هذا المجال والذي وصل إلى 40% خلال هذه السنةmiddot; وخلافا لما كان يجري في السنوات الماضية حيث كانت الصناعة المرتبطة بتوليد الطاقة عن طريق الرياح تتأثر إما سلباً أو إيجاباً بمدى استعداد الكونجرس الموافقة على تمديد العمل بقانون الضرائب طويلة الأمد المفروضة على الصناعة، فقد بدأت تلك الصناعة في ظل الانتعاش الحالي في الطلب على طاقة الرياح تستعيد عافيتها وتتهيأ للوقوف على رجليها حتى دون مساعدة الكونجرسmiddot; وقد تضافرت عوامل عديدة ساهمت في انتعاش سوق طاقة الرياح مثل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وسن قوانين جديدة من قبل الولايات تدعو إلى استخدام طاقة نظيفة، فضلا عن الانشغال بظاهرة الاحتباس الحراريmiddot; وهي العوامل التي مهدت الطريق لنشوء سوق مزدهرة لطاقة الرياح داخل الولايات المتحدةmiddot; ويؤكد هذا الطرح ''جودفري شوا''، مدير الأبحاث في شركة لإنتاج الطاقة بكامبردج قائلا ''لقد وصل سوق أميركا الشمالية إلى مستويات قياسية في مجال الطاقة المعتمدة على الرياح'' ويضيف موضحاً ''سوف تشهد هذه السنة نهاية التذبذبات التي ألحقت الضرر بصناعة طاقـة الرياح طيلة الفترة السابقة''middot;
ولعل من أهم العوامل التي أعطت زخماً لانطلاق مشاريع الاستثمار في الطاقة البديلة هو التفويض الذي حصلت عليه الولايات من الحكومة الفيدرالية، حيث أصبحت قادرة على سن قوانينها الخاصة الهادفة إلى حماية البيئة وإنتاج طاقة نظيفة تحد ولو قليلاً من تلوث الهواء وانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراريmiddot; وفي هذا السياق قامت 22 ولاية بالتصديق على قانون يرغم الصناعات المتخصصة في مجال الطاقة على استثمار جزء من رأسمالها لتطوير مصادر الطاقة البديلة مثل الرياح والشمس، فضلاً عن الطاقة الهيدروليكية من موارد المياه وغيرهاmiddot; ويتوقع المتتبعون أنه في حال استمرار الوتيرة الحالية التي يتم بها الاستثمار في طاقة الرياح في المناطق المختلفة من الولايات المتحدة وكندا، فإن الطاقة المولدة من الرياح ستصل خلال هذه السنة إلى 4250 ميغاوات بالمقارنة مع 2600 ميغاوات أنتجت في السنة الماضيةmiddot; وحسب دراسة علمية أجريت مؤخرا فإنه من شأن مواصلة الكونجرس العمل بقانون الضرائب المريحة المفروضة على صناعة الطاقة الزيادة في حجم إنتاج طاقة الرياح الذي قد يصل إلى 6000 ميغاوات بحلول middot;2010 وبالرغم من تشكك بعض الجهات في القدرة الحقيقية لطاقة الرياح على التخفيف من استهلاك مصادر الطاقة التقليدية بسبب الطابع المتقطع للرياح وعدم استمراريتها، إلا أن المراقبين يعتقدون أن إنتاج 5% من احتياجات أميركا للطاقة عن طريق الرياح يشكل هدفا معقولاmiddot; ويتوقع أن يؤدي الازدهار الذي تشهده صناعة طاقة الرياح في الولايات المتحدة إلى توفير الكهرباء لأكثر من مليوني منزل حسبما أعلنته الجمعية الأميركية لطاقة الرياحmiddot;
ولم يكن لهذه الصناعة أن تزدهر لولا قدوم لاعبين جدد إلى الساحة، حيث قامت في السنوات الأخيرة مجموعة من الشركات الكبرى في مجال الطاقة بالاستثمار في المراوح الكهربائيةmiddot; وفي هذا الإطار سارعت شركة ''جولدمان ساش'' إلى ضخ أموال مهمة في صناعة طاقة الرياح، فضلا عن دخول الشركة الألمانية الرائدة ''زيمنز'' حلبة السباق لأخذ حصتها من السوق العالمية المنتعشةmiddot; وتعكف هذه الأيام شركة ''هورايزن ويند إنرجي'' التابعة لـ''جولدمان ساش'' على تطوير مجموعة من محطات توليد الطاقة بالاعتماد على الرياح في العديد من المناطق بالولايات المتحدةmiddot; وفي ضوء الطلب المتزايد على المراوح الهوائية، فضلا عن تشجيع السلطات المحلية لتطوير مصادر الطاقة البديلة، فإنه من المتوقع أن يستمر النمو في صناعة الطاقة إلى غاية ،2007 لاسيما إذا وافق الكونجرس على تمديد العمل بقانون الضرائب المريحة التي تسدد على فترة طويلةmiddot; ومع كل الجدل الدائر حاليا بين السياسيين في الولايات المتحدة حول ضرورة التخفيف من استهلاك الطاقة والحد من الاعتماد على المصادر الأجنبية لم تعد هناك شركة في البلد لا تملك مشروعا يهدف إلى تطوير مصادر الطاقة المتجددةmiddot;
ويفسر هذا التحول لدى الشركات باتجاه الاستثمار في الطاقة المعتمدة على الرياح بالأسعار المرتفعة التي باتت تعرفها المصادر التقليدية للطاقة مثل النفط والغاز الطبيعي، فضلاً عن التكلفة المنخفضة لطاقة الرياح وعدم إلحاقها الضرر بالبيئةmiddot; وقد ساهم التطور التكنولوجي الحاصل في مجال المراوح الهوائية في التقليل من تكلفة إنتاج الطاقة إلى 4 أو 5 سنتات للكيلووات الواحد سنة ،2004 بالمقارنة مع 80 سنتا سنة middot;1980 ولاشك في أن تقليص التكلفة سيجعـل الطاقـة المعتمـدة على الرياح أكثر قدرة على المنافسة مع الغاز الطبيعي والمصادر الأخرى التقليدية واكتساح المزيد من الأسواق في المستقبل القريبmiddot;


كاتب أميركي متخصص في شؤون الطاقة