عبد الرحمن الراشد

حماس هي الحركة الأكثر بروزا على الساحة الفلسطينية، عسكريا وشعبيا، وتمثل اليوم أكبر تحد يواجه السلطتين الفلسطينية والإسرائيلية معا. وإذا اردنا ان نفهم لماذا، فلنقرأ الملصق الجداري الذي غزت به حماس المدن الفلسطينية، ضمن حملتها الدعائية للانتخابات. يقول الملصق laquo;تاريخنا ناصع، أيادينا نظيفة، مسيرتنا مستقيمةraquo;.
ويمكن ان نقرأه بعقل وعيني الماشي بجوار الجدران، حيث سيترجمه الى ما معناه ان تاريخ تنظيم فتح مظلم، وأياديها ملطخة، ومسيرتها متعرجة. هكذا تفهم دعاية حماس ولن يجد الفلسطيني العادي صعوبة في إسقاط معرفته اليومية على هذه القراءة، مستندا إلى ما يجري في محيطه. فقد اساء المنتسبون الى فتح كثيرا لمنظمتهم، فظهر بينهم من اساء استغلال سلطاته، وتحولت بعض القوى العسكرية الى ميلشيات متسلطة على الناس، وشاعت الاقاويل حول الفساد داخل الحكومة. وصارت الصورة أكثر سوءا بعد ان طفت على السطح خلافات القيادات الفتحاوية وتضاربت مواقفها السياسية.

ليس صعبا على حماس، وهي الحركة الاسلامية السياسية، ان تبيع شعارها وتقنع به حتى المسيحيين من الفلسطينيين في رام الله مثلا، ليس لأن حماس التنظيم الافضل، بل لأن فتح باتت مثل الزوج الذي ملته زوجته، وسئمت خداعه، وكرهت سوء معاملته لها.

فتح قد لا تستطيع ان تضمن كسب حتى أصوات منسوبيها من رجال الأمن، الذين افتتحوا الاقتراع الانتخابي وعددهم نحو ستين الفا. فتح مهددة بهزيمة ساحقة في الايام المقبلة، بما يؤدي الى سقوط فتح، التنظيم الفرعوني الذي تسيَّد كل تاريخ النضال الفلسطيني وكان يستحيل قهره في الماضي.

والفتحاويون بحكم تجربتهم الطويلة في المناورات السياسية، ليسوا قليلي الحيلة وإن كانوا قليلي الشعبية، فهم يدفعون حماس نحو اخذ مواقف علنية من اجل احراجها شعبيا ودوليا. فالحركة الاسلامية تقول انها لن تعترف بإسرائيل، ولن تقبل بدولة فلسطينية فقط على الاراضي المحتلة في حرب 67، وتدعو الى تحرير كامل ارض فلسطين. هذه المقولات تحرمها من تأييد الفريق العقلاني الفلسطيني الذي عرف بالتجربة انه كلام تسويقي، أيضا تصريحاتها المتطرفة ستحتسب دوليا ضدها. وكلما جنحت حماس نحو التشدد اجتمعت القوى المختلفة لإلحاق الهزيمة بها في الانتخابات، أو حرمانها من المواقع السياسية المهمة لو فازت لاحقا.

أزمة الساحة الفلسطينية يمكن تلخيصها بالقول إن التنظيم العقلاني والأكثر خبرة والأطول تاريخا في النضال بلا قيادة صلبة. والحركة المنافسة، الأقرب الى الفوز بحكم شعبية خطابها السياسي ونظافة تجربتها المحلية، بلا مشروع سياسي عملي يخدم القضية الفلسطينية. وفي النهاية نتوقع إن فازت حماس فانها ستسير في الدرب نفسه الذي أنكرته على فتح طوال السنوات الماضية وحاربتها بسببه، أعني التفاوض مع اسرائيل. وان كسبت فتح المنافسة فإنها ستحتاج الى حماس من اجل السير في طريق التفاوض.

[email protected]