أمير طاهري


ظل الإعلام الأميركي خلال الأسبوعين الأخيرين يردد الكثير من الإشاعات حول احتمال قيام أميركا بهجوم عسكري على إيران. وهذه هي المرة الأولى التي تتصاعد فيها حمى الحرب في الإعلام الأميركي. فإحدى مجلات نيويورك الأسبوعية حددت حسب laquo;أسرار مسربةraquo; يوم 5 يونيو 2005 كتاريخ لبدء الحرب على إيران. وعندما لم يحدث ذلك بدلت المجلة التاريخ إلى 21 مارس 2006.

لكن الجديد في الحمى الحالية هو أن كل من يتناول هذا الموضوع يطمع بشيء ما من انتخابات الكونغرس النصفية التي ستجري في الشهر المقبل بأميركا والتي يمكن أن تنتج أغلبية معارضة لبوش في الكونغرس. لذلك فإن قصصا تثير الخوف حول الحرب مع إيران والنتائج غير المحسوبة التي تترتب عنها تشجع على ابتعاد الناخب الأميركي عن الحزب الجمهوري.

وأولئك المقربون من ميدان السياسة المتعلقة بإيران يعرفون أن الحرب ليست قريبة أو ضرورية على الأقل حاليا. فالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد له حبل كاف كي يشنق نفسه به بدون حرب. وأولئك الذين يعرفون الطريقة التي يعمل بها عقل بوش يعرفون أنه إذا وجد الحرب هي الخيار الوحيد فإنه لن يبتعد عنه بسبب حسابات حزبية. ومع ذلك فإنه من اللازم ألا تكون حمى الحرب الحالية سببا لإبعاد هذا الاحتمال إن لم تكن هي تزيد من احتمال وقوعها، فيما يقول المتنبئون بالحرب إن أميركا ستدفع ثمنا باهظا لأي إجراء عسكري تتخذه ضد إيران. ولذلك فإن على أميركا ألا تدخل الحرب إلا إذا كان ذلك الخصم عاجزا عن إلحاق أذى كبير بها.

وهذه هي التوقعات:

* ستشن الجمهورية الإسلامية الإيرانية حملة إرهابية على نطاق عالمي، وربما ستستخدم laquo;القنبلة القذرةraquo; في مدن غربية كبيرة ضد أميركا وحلفائها في الخليج والشرق الأوسط وأوروبا.

* سيشن حزب الله اللبناني هجوما واسعا بالصواريخ على إسرائيل.

* تغلق إيران مضيق هرمز وتوقف تدفق النفط وترفع أسعاره إلى 200 أو 300 دولار للبرميل الواحد.

* تأمر إيران طفلها الطبيعي: ميليشيا الصدر التي يقودها رجل الدين مقتدى الصدر في العراق كي يهاجم القوات الأميركية هناك مع الهجوم على حلفاء أميركا العراقيين داخل حكومة نوري المالكي.

* ستدخل سوريا التي وقعت حلفا دفاعيا مع إيران في يونيو الماضي الحرب لمساعدتها، وربما يكون ذلك عن طريق الهجوم على إسرائيل والأردن بينما تقوم بغزو العراق.

يعاني التحليل المستند إلى هذه الأسس من عدة عيوب. الأول هو أنه لا يطرح تساؤل laquo;ثم ماذا؟raquo; . وحتى لو فرضنا أن هذه التوقعات صحيحة فهل هناك أي شخص قادر على افتراض أنه حال دخول أميركا في المواجهة ستضطر إلى التراجع بسبب الهجمات الإرهابية أو ارتفاع أسعار النفط؟ وهل أن حزب الله وسوريا سينتحران لمساعدة حلفاء محكومين بالدمار في طهران؟

بالتأكيد ستحاول إيران أن تنتقم بأي شكل من الأشكال. لكن من المفارقة أنه كلما زاد رد فعلها حدة كلما أصبح انهيارها أكثر احتمالا. وأفضل خيار لها في حالة تعرضها لهجوم أميركي هو الوقوف موقف ضحية laquo;الشيطان الأكبرraquo; البريء، على أمل أن يتحرك laquo;الناس الطيبونraquo; في نيويورك وسان فرانسيسكو في مسيرات سلمية ضد بوش في الكونغرس، حينما يصبح الديمقراطيون أغلبية في الشهر المقبل، في الوقت نفسه يقترح جيمي كارتر وبيل كلينتون السفر إلى طهران ضمن مهمة سلمية. آخر ما تريده طهران هو أن تثبت أن بوش على حق حينما قال إن نظام الخميني هو أكثر الأنظمة خطرا على أميركا. وبالتأكيد فإن أي تفجير laquo;لقنبلة قذرةraquo; على يد أفراد من حزب الله في مدينة أميركية سيحشد الشعب الأميركي وراء سياسة laquo;نظام الدمارraquo; في طهران. أما بالنسبة لاستخدام ورقة النفط فإن إيران قد تجد الأمور أسهل.

ولو كان مضيق هرمز مغلقا لما كانت الجمهورية الاسلامية قادرة على تصدير نفطها لتستفيد من اسعار النفط التي تراوحت بين 200 الى 300 دولار للبرميل. دعونا نتذكر أيضا ان واردات الجمهورية الاسلامية من اوروبا والهند ودول الخليج تشكل ما يزيد على 40 في المائة من النفط المكرر الذي تحتاجه لأغراض الاستهلاك الداخلي. وهكذا فانه اذا ما ارتفعت أسعار النفط فان الجمهورية الاسلامية سيتعين عليها أن تدفع بصورة اكبر لواردات نفطها المكرر، على افتراض ان أميركا ستكون من الحماقة بما يكفي للسماح لعدوها بأن تتم اعادة تزويده بدون تأخير.

ومن هنا واذا ما تقدمنا في كل مرحلة من التكهن لنسأل laquo;ثم ماذاraquo;، فاننا سنرى بسهولة انه حتى اذا حل الأسوأ فان نزاعا عسكريا كبيرا بين أميركا والجمهورية الاسلامية سينتهي، بغض النظر عن الثمن الذي يدفعه الأميركيون، بتدمير النظام الخميني. ولدى زعماء الجمهورية الاسلامية، الذين يجب ان يهتموا منطقيا بالبقاء، كل المصلحة في ان لا يجري تضليلهم من جانب تفجر مواقف بوش المهاجمة في الاعلام الأميركي، حيث تستخدم القضية الايرانية كذريعة في المنافسة في الانتخابات الوشيكة. وتفرض مصلحة الزعماء في طهران عليهم ان يتجنبوا دفع نزاعهم مع واشنطن الى نقطة الحرب الشاملة. والسؤال الثاني الذي لا يطرحه المتكهنون المتحمسون للحرب هو: ما اذا كان رفض الجمهورية الاسلامية المساومة على برنامجها لتخصيب اليورانيوم هو السبب الوحيد أو الرئيسي الذي يجعلها في مسار الصدام مع أميركا. ومن الواضح ان القضية النووية هي احد اعراض نزاع اعمق وليس سببا له. فأميركا والجمهورية الاسلامية في نزاع لأن كلا منهما تتمنى أن تعيد صياغة الشرق الأوسط وفقا لرؤاهما المتعارضة.

ان شرق اوسط جديدا تعاد صياغته الى منطقة شراكة مع أميركا، لا يمكن ان يتسامح مع نظام متطرف معاد لأميركا في قلبه لفترة طويلة. ولن يرحب الايرانيون، الذين هم، على نحو مثير للجدل، الشعب الأكثر تأييدا للولايات المتحدة في المنطقة، بوضع يكونون فيه وحدهم بسبب آيديولوجية لا يشاركون فيها. وفي الوقت نفسه فان النظام الخميني لا يمكن ان يبقى بدون طموحاته الثورية وادعائه بتمثيل laquo;النظام الالهيraquo; الوحيد على الأرض. ان الجمهورية الاسلامية، المحاطة بأميركا وحلفائها في جميع الجوانب، لا يمكن ان تتجاهل laquo;الشيطان الأكبرraquo;، وفي مثل هذا الوضع أمامنا ثلاث نقاط:

* مساومة تقوم طهران وواشنطن بموجبها بالهيمنة على المنطقة بصورة مشتركة، وهو امر قد لا يكون مقبولا من جانب القوى واللاعبين في الشرق الوسط.

* خضوع الجمهورية الاسلامية للرؤية الأميركية واعطائها موقعا فيها، وهو اتجاه يمكن ان يصل الى الانتحار السياسي من جانب المؤسسة الخمينية.

* خضوع أميركا للجمهورية الاسلامية والانسحاب من المنطقة في اطار خيار قد يعزز شهية أحمدي نجاد، ذلك انه يبدو نفسه مخلص البشرية بأسرها بينما يتم تدمير مصداقية أميركا كزعيم عالمي.

أولئك الذين يصعدون حمى الحرب الراهنة يجب أن يحددوا أي الخيارات أعلاه يدعمون.