زهير قصيباتي
تصر اسرائيل على رفضها معاودة المفاوضات مع سورية، بمقدار إلحاح الرئيس بشار الأسد على استئنافها. ولرئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت ذريعتان:
- الثمن إعادة الجولان المحتل، وما الذي يرغم الدولة العبرية على ذلك، فيما تعزز الاستيطان هناك، ومعه سرقة المياه؟ هل ميزان القوة يميل لمصلحة دمشق، فيكون لها الخيار البديل، في حال لم تبدّل اسرائيل موقفها؟
- يعتقد أولمرت بأن الرئيس الأسد يحاول عبر بوابة مطالبته بالتفاوض، فتح ثغرة في جدار المقاطعة والعزلة اللتين تفرضهما إدارة الرئيس جورج بوش على سورية، خصوصاً منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وبسبب اتهامها ايضاً بدعم مزعوم لتسلل المقاتلين الى العراق، وبمساندة حركة laquo;حماسraquo; و laquo;حزب اللهraquo;. كما ترى الدولة العبرية ان إحكام الضغوط الأميركية - الفرنسية على دمشق في الملف اللبناني، ويأس سورية من احتمالات تخفيفها أو شق وحدة laquo;الثوابتraquo; بين باريس وواشنطن، يجعلانها تلجأ الى laquo;جبهةraquo; السلام، وتحريك مسألة الجولان، مع التذكير بقبول laquo;التعايشraquo; مع اسرائيل.
ويعزو الإسرائيلي ايضاً رؤيته الى laquo;توتر عالraquo; في دمشق، مع اقتراب القاضي البلجيكي سيرج براميرتز من إنجاز مهمته، واقتراب موعد تشكيل المحكمة الدولية لمقاضاة مَن ستوجه إليهم الاتهامات باغتيال رفيق الحريري... على رغم اقتناع سورية ببراءتها. طبعاً يسأل الأميركي والفرنسي إن كانت البراءة مدعاة للتوتر ام الطمأنينة، وكلاهما، أي باريس وواشنطن لا تختلفان على مقولة laquo;تغيير سلوك النظامraquo; في دمشق، لا تغييره، كمدخل لإعادة laquo;تأهيلهraquo;، بصرف النظر عن نتائج التحقيق في قتل الحريري.
وما قاله الرئيس بشار الأسد قبل ثلاثة ايام، حول قبول كل من اسرائيل وسورية التعايش مع حقيقة وجود الطرف الآخر، إيحاء بالقاعدة laquo;الذهبيةraquo; لأي مشروع تفاوض. فدمشق ليست laquo;حماسraquo;، والدولة ليست مقاومة مسلحة، وسورية اثبتت بامتياز منذ اتفاق فصل القوات، قدرة على التزام الاتفاقات التي ترعاها مظلة شرعية دولية. والقاعدة بالتالي، ان الاعتراف المتبادل مع العدو والخصم سيكون نتيجة بديهية للمحادثات، بل كذلك تبادل المصالح، إنما بـ laquo;سلام عادلraquo;.
وحين ينصح نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز الرئيس الأسد بالاقتداء بالرئيس المصري السابق أنور السادات، يسأل باستفزاز laquo;ما الذي يمنعهraquo; من ان يهبط في القدس المحتلة ليتحدث عن السلام؟ وهو سؤال ينطوي على استخفاف بكل مقومات مقولة laquo;الصمودraquo; مع laquo;الممانعةraquo;. وهو الصمود ذاته الذي تعرض للتشكيك من أطراف لبنانية، عارضت الهدوء على الجولان وتحريك الجنوب كجبهة وحيدة مع العدو... وتكييف المعايير، بما ناء لبنان بحمله وحيداً.
وقبل تشديد الأسد على ان سورية لا تسلح laquo;حزب اللهraquo;، على رغم اعتبارها إياه نموذجاً مثالياً للمقاومة، في جنوب لبنان بالطبع، كان laquo;التنبيهraquo; الأميركي للحليف الإسرائيلي لئلا ينزلق الى فتح ثغرة في عزلة دمشق، من باب السلام. والواقع أن لا بيريز ولا أولمرت يصدق ان الأسد سيفعلها كما فعل السادات، وأن التزامه تطبيق القرار 1701 كاف لتعبيد طريق التفاوض.
رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يلوّح بالتحضير لمواجهة كل الاحتمالات، بما فيها ربما اقتداء دمشق في الجولان بتجربة laquo;حزب اللهraquo; في الجنوب، يأخذ في الاعتبار ان سورية قد تراهن على الاتفاق الدفاعي المبرم مع ايران، ويرى ان هكذا اتفاقاً لن يسعفها في حال وجهت الدولة العبرية ضربات جوية قاسية في عمق الأراضي السورية. والأهم، كما تسرّب وسائل الإعلام في اسرائيل، مواجهة عسكرية مع دمشق و laquo;حزب اللهraquo; في آن، تجر بسبب الصواريخ المخفية ضربات عشوائية تنفلت من أي قدرة على التحكم بالصراع.
يتحدث بيريز بلغة التحدي، لكنها تبطن قلقاً من ذاك السيناريو الذي سيكون بمثابة laquo;حلقة ثانيةraquo; من حرب 12 تموز (يوليو). تتحدث دمشق بلغة السلام، من دون اشتراط العودة الى نقطة ما في المفاوضات، وفي ذلك ما يضمر قلقاً. أما أولمرت فلا يحب سياسة الوجهين، كما في نهج يوسي بيلين الذي نصحه بضرب سورية مع لبنان، ثم انكفأ الى فضيلة التفاوض.
التعليقات