ينبغي النظر لتحديات تواجه دمشق لفهم سلوكها خلال الحرب على لبنان
الرئيس الأسد لا يرى ضرورة خلط أوراقه


برلين- سمير عواد

بعد أكثر من شهرين على نهاية الحرب الإسرائيلية ضد لبنان استلمت ألمانيا قيادة قوة السلام الدولية(يونيفيل) قبالة الساحل اللبناني بعد أن أنهت إسرائيل حصارها البحري لهذا البلد العربي الصغير وقامت سفن حربية فرنسية وإيطالية بحراسة الساحل حتى وصول الفرقاطات الألمانية تصحبها سفن تحمل المؤن. ويعتقد خبراء بوزارة الدفاع الألمانية أن هذه المهمة سوف تستغرق فترة طويلة رغم أن البرلمان الألماني حين وافق عليها حدد المدة لنهاية أغسطس القادم. وقالت المستشارة أنجيلا ميركل في خطابها أمام البرلمان أن هذه مهمة تاريخية تساهم ألمانيا من خلالها في حماية أمن إسرائيل التي تشعر ألمانيا بمسئولية تاريخية نحوها نتيجة للهولوكوست. 1500 جندي ألماني يشاركون في المهمة التي يشرف عليها أصغر أدميرال ألماني هو أندرياس كراوزي.

وقالت ألمانيا أن الهدف من أول مساهمة عسكرية ألمانية في الشرق الأوسط هو منع تهريب السلاح لحزب الله. في نفس الوقت هناك قلق ألماني من أسلحة حزب الله المضادة للسفن خاصة وأن الميلشيا الشيعية قامت خلال الحرب التي شنتها إسرائيل بضرب سفينة حربية إسرائيلية الأمر الذي يكشف عن حيازة حزب الله على أسلحة متطورة. ويرى المعلق الألماني بيتر فيليب ضرورة في مرافقة الجهود العسكرية تحركات سياسية في الشرق الأوسط. وقال وزير الخارجية الأسباني ميغيل موراتينوس بعد زيارة قام بها مؤخرا إلى دمشق أنه سمع من القادة السوريين أن بلدهم على استعداد للمساهمة في تنفيذ القرار الأممي رقم 1701

بدون سوريا لا يمكن التوصل إلى تسوية شاملة في الشرق الأوسط. كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد يعرف هذه الحقيقة جيدا. لم تتغير هذه النظرية بعد أن خلفه في منصبه نجله طبيب العيون بشار الأسد قبل ست سنوات. كان الغرب يأمل في أن تحقق إسرائيل أهدافها العسكرية في لبنان وتكسر شوكة حزب الله وبالتالي تضعف نفوذ سوريا وإيران. لكن فشل الجيش الإسرائيلي وتكبده خسائر كبيرة رغم أن الطيران الحربي الإسرائيلي قضى على نحو ألف لبناني ناهيك عن عدد الجرحى ودمر جزءا معتبرا من البنية التحتية في لبنان، جعل الاستراتيجيين في الغرب يعيدون خلط أوراقهم من جديد. ويقول فولكر بيرتيس مدير معهد العلوم والسياسة في برلين الذي يعتبر مطبخ أفكار السياسة الخارجية الألمانية أن الحرب الأخيرة في لبنان أوضحت بصورة جلية أنه لا يمكن تجاهل سوريا إذا هناك رغبة صادقة في تحقيق الاستقرار والسلام على المدى المتوسط في الشرق الأوسط.

لم تتغير علاقة الولايات المتحدة مع الرئيس بشار الأسد بعد وفاة والده ويصف بيرتيس علاقة الغرب مع سوريا أنها صعبة. تعرضت سوريا لضربة حين أجبرت على سحب جيشها من لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري إذ سرعان ما اتهم لبنانيون دمشق بتدبير اغتيال الحريري. وفي الآونة الماضية تجاهل الأمريكيون سوريا وقالوا: دعوها تعفن. كان للسياسة الأمريكية تجاه سوريا اثر على موقف بعض المسئولين الغربيين. بوفاة الحريري خسر الرئيس الفرنسي جاك شيراك صديقا حميما وهو حانق منذ ذلك الوقت على سوريا. وحين هاجم الأسد إسرائيل في خطاب ألقاه بعد نهاية حرب لبنان وأشاد بحزب الله كان وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير يستمع للخطاب الذي كانت تنقله محطة السي أن أن واتصل على الفور بالمستشارة ميركل واتفقا على قطع جولته الشرق أوسطية وعدم السفر إلى دمشق. منذ ذلك اليوم العلاقات الألمانية السورية يسودها جمود رغم أن بعض الشائعات تحدثت عن اتصالات جديدة بين البلدين. مثل السياسة التي كان يعمل بها والده الرئيس السابق فإن سوريا تكتفي بالانتظار بينما النزاعات العسكرية تجري على قرب منها ثم تعمل بما يتفق ومصالحها الاستراتيجية. فسوريا لم تكن طرفا في عملية اسر جنديين إسرائيليين من قبل حزب الله وهي التي اتخذتها إسرائيل ذريعة لحربها الأخيرة فحزب الله يعتمد منذ تأسيسه على دعم مالي وعسكري من إيران وهذا ليس سرا. وبعد الحرب الأخيرة أصبح حزب الله كما يرى بيرتيس المختص بالشئون السورية أكثر استقلالية عن سوريا.

قال بيرتيس: ينبغي النظر إلى تحديات داخلية وإقليمية كي يفهم الغرب سلوك سوريا خلال الحرب. الاعتقاد السائد في الغرب أن سوريا ساندت حزب الله وأيدته. خلال الأسابيع الأخيرة لم يكف الرئيس السوري عن التلميح باحتمال وقوع حرب جديدة بين سوريا وإسرائيل. التحديات الداخلية التي أشار لها بيرتيس تتلخص بصعوبة تحقيق إصلاحات اقتصادية وسياسية، إذ لم يحصل أي تقدم يذكر بالخصوص. في المقابل زاد الفساد وضعفت مؤسسات الدولة الأمر الذي ساعد قوى في المنطقة تستغل أخطاء نظام الأسد لتزيد العزلة الدولية لسوريا مثل الحرب البشعة في العراق المجاور حيث يهدد سوريا خطر انتقالها والدليل على ذلك عملية التفجير الأخيرة أمام السفارة الأمريكية في دمشق والخشية من أن ينقل الجهاديون(حسب تعبير بيرتيس) الذين عبروا إلى العراق القتال إلى بلدهم الأصلي. وهناك توتر بين العرب والأكراد والخلاف الذي يؤجج البعض ناره بين السنة والشيعة في عدد من بلدان المنطقة مما دفع بهذه الدول إلى تحسين علاقاتها مع إيران.

ويعتبر بيرتيس أن الرئيس الأسد لا يرى ضرورة خلط أوراقه. فالديمقراطية في العراق لم تتحقق ولم تتحقق معها رغبة بوش في نشر الديمقراطية كلعبة الدومينو من بلد لآخر في المنطقة. يعلم الغرب أنه بدون سوريا لا يمكن أيضا حل الأزمة اللبنانية ولا تنفيذ القرار الأممي 1701 بحذافيره. كون البحرية الألمانية تحمي أمن إسرائيل كما قالت ميركل فإن السفن الحربية الألمانية التي تعمل بتفويض من الأمم المتحدة قد تمنع تهريب أسلحة لحزب الله عبر البحر لكن هناك حاجة لسوريا إذا كان الهدف مراقبة البر. تتبع دمشق إستراتيجيتها القديمة بعدم لعب ورقة قبل ضمان الربح. وقد أوضح السوريون بوضوح نقط التعاون مع الغرب: أولا يتعين على الولايات المتحدة إنهاء سياسة العزلة تجاه سوريا ووقف تهديداتها لها. ثانيا الاعتراف بسوريا قوة إقليمية وتهيئة الأجواء لعودة المفاوضات مع إسرائيل لهدف التنازل لها عن الجولان المحتل.

قبل وقت أدرك وزير الخارجية الألماني أهمية الدور السوري وكان هذا قبل غضبه على الأسد وقال بعد نهاية حرب لبنان أنه يريد إغراء سوريا بمساعدة ألمانية لإصلاح الاقتصاد المترهل والإصلاحات وربطها بقوة مع الاتحاد الأوروبي شرط أن تبدي سوريا استعدادها للتعاون مع الغرب في وضع تسوية للنزاع المزمن في المنطقة. ولاحظ شتاينماير وجود اختلاف في الأهداف بين سوريا وإيران وضرورة في حل هذا التحالف. ونقل بيرتيس عن مسئول سوري كبير لم يذكر اسمه قوله: نحن نريد عملية سلام والإيرانيون لا يريدونها.

برأي الخبير الألماني الملم بالشئون السورية بوسع دمشق القيام بمهام تساعد في تحقيق الاستقرار بالمنطقة مثل توفير أمن الحدود مع العراق ومنع غسيل أموال عدد من رموز النظام العراقي السابق وبوسع دمشق دعم تشكيل حكومة وفاق وطني في فلسطين ومساعدة الأطراف اللبنانية التي ما زال لها نفوذ عليها أن تدعم الحكومة اللبنانية وتساعد في تحقيق الاستقرار في البلد الجار إذا ساعدت في حل مشكلة مزارع شبعا وترسيم الحدود. يطالب بيرتيس السياسيين الغربيين بوقف تجاهل سوريا لأن هذا كما يرى لا يخدم مصالح الأمريكيين والأوروبيين كما لا يحقق الاستقرار في لبنان. من أجل كسب سوريا ينبغي أيضا المساعدة لحل الخلاف حول الجولان وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي له مما سيشجع ويقوي نفوذ قوى الإصلاح في سوريا.

لهذا السبب يرى بيرتيس ضرورة أن يبدأ الاتحاد الأوروبي عملية الموافقة على اتفاقية التعاون الموقعة عام 2004 مع سوريا والتي هي مجمدة وتشكل قاعدة تعاون بين أوروبا وسوريا لكن هذا يعارضه أولئك في أوروبا الذين يريدون معاقبة سوريا غير أن بيرتيس لا يرى أمام الغرب خيار آخر غير الحوار مع سوريا خاصة وأن حرب لبنان أوضحت بصورة جلية وجود حاجة لتحقيق تسوية شاملة في الشرق الأوسط ودون ذلك لن يقوم شرق أوسط جديد. كما رأى أنه يكون أفضل لو توقفت اللجنة الرباعية الدولية(الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) عن رؤية دورها محصور في حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وتهتم بتحريك عملية السلام ووضع أهداف نصب عينها منها أخذ أمن إسرائيل وتحقيق الدولة الفلسطينية وإعادة الأراضي السورية واستعادة لبنان سيادته. وهنا سترى سوريا فرصة في دور إقليمي وترى أنه عليها أيضا تقديم مساهمة تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.