السبت: 2006.10.28


توماس راليج

لا تنفصل قضية العراق عن إيران؛ فالولايات المتحدة لا تستطيع الخروج من المستنقع العراقي دون النظر إليه في إطاره الإقليمي والإقرار بالحقيقة المُرة أن إيران هي الطرف الرابح استراتيجياً من الحرب على العراق. غير أنه برفض واشنطن الانخراط في حوار جاد مع طهران، وهو الحوار الذي من شأنه أن يبدد التوتر بين البلدين ويفتح المجال لإقامة علاقات تعاون وتفاهم مشترك بينهما، فإنها تتجه نحو كارثة المواجهة العسكرية مع إيران، وتقويض أي أمل في إحلال الاستقرار بالعراق وإخراجه من دائرة العنف. فلم يعد خافياً على أحد الصعوبات الجمة التي تعاني منها الولايات المتحدة في العراق في ظل نقص القوات الكافية لدحر المتمردين والفشل في نزع سلاح الميلشيات، فضلاً عن انعدام القدرة على فرض بيئة آمنة يسودها السلام وتشجع على المصالحة الوطنية والإصلاح السياسي. وفي الوقت نفسه تعاني القوات الأميركية من الإرهاق الشديد بسبب انتشارها في أفغانستان والعراق معاً.

ولست هنا بصدد تبني خطاب انهزامي، بل فقط أصف الواقع الذي يشير إلى ضرورة إرسال الدول الأجنبية لتعزيزات عسكرية إضافية إذا ما أريد للاستقرار أن يحل بالعراق. بيد أن حلفاء أميركا الذين كان يعول عليهم تجمعت لديهم مجموعة من الأسباب جعلتهم يحجمون عن إرسال قواتهم إلى العراق تأتي في مقدمتها الاحتقار الذي أبداه دونالد رامسفيلد إزاء أوروبا القديمة، وانعدام فريق يتمتع بالكفاءة اللازمة والقادر على إدارة جهود ما بعد الحرب واحتلال العراق، ما جعل الأمور عرضة للتخبط والفوضى. لكن يبقى الأهم من ذلك هو خوف حلفائنا في أوروبا من أن مساعدة الولايات المتحدة وتخفيف العبء عليها في بلاد الرافدين قد تشجعها على الدخول في مغامرة عسكرية جديدة ضد طهران، وتمهد الطريق لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وكلما تلكأت واشنطن في بدء الحوار مع إيران كلما ضعفت احتمالات مشاركة الدول الحليفة في ضمان استقرار العراق ومساعدة الولايات المتحدة، وزادت بالتالي احتمالات تدهور الوضع في بلاد الرافدين وانزلاقها إلى حرب أهلية شاملة.

ولاشك أن الخيارات السياسية ستتضح أكثر عندما تقر الولايات المتحدة بأن اللجوء إلى الخيار العسكري مع إيران هو ضرب من العبث. فسيؤدي قصف إيران إلى تشددها أكثر، كما سيشعل الحريق في الشرق الأوسط، ويطلق سلسلة من الأحداث في المنطقة قد تنتهي بسيطرة الإسلاميين المتطرفين على السلطة في باكستان النووية. لذا يبقى الحوار مع إيران الطريق الأمثل والأكثر أمناً لخدمة المصالح الأميركية، حيث سينزع فتيل التوتر ويعزز الأمن الإقليمي، ويعلي المكانة الدولية لأميركا، فضلاً عن طمأنة حلفائنا بعدم إقدامنا على ضرب طهران. ويمكن للولايات المتحدة أن تبدأ الحوار عبر ثلاث خطوات معقولة وبسيطة بتعهدها أولاً بعدم ضرب إيران بالسلاح النووي، وتعهدها ثانياً بعدم سعيها إلى تغيير النظام بالوسائل العسكرية، وثالثاً بعرضها تطبيع العلاقات مع طهران. لكن الراجح أن مسؤولي الإدارة الأميركية سيعتبرون أن مثل هذه المقاربة في التعامل مع إيران تنمُّ عن سذاجة كبيرة مؤكدين أن تصعيد مواجهة مع إيران أصبح أمراً لابد منه.

ومع ذلك على المسؤولين في الإدارة الأميركية أن يدركوا أنه ليس كل تصعيد ينتهي بالضرورة إلى اندلاع الحرب. فقبل 44 سنة من هذا الوقت علمت الولايات المتحدة أن الاتحاد السوفييتي قام بنشر صواريخ نووية في كوبا. ورغم أن الرواية الشعبية للأزمة تقول إن الرئيس جون كنيدي نظر شزراً إلى نيكيتا خروتشوف فتراجع هذا الأخير، إلا أن الرد الأميركي الذي تمثل في فرض الحصار على كوبا وإعلان حالة التأهب العسكري رافقته جهود دبلوماسية حثيثة أدت في النهاية إلى حل للأزمة والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة. فقد عرض الرئيس كنيدي على الزعيم السوفييتي خروتشوف تنازلين لحفظ ماء وجهه، حيث تعهد أولاً بعدم غزو الولايات المتحدة لكوبا, وتعهد ثانياً بسحب أميركا لصواريخها من تركيا. واليوم مع تزايد نذر التصعيد مع إيران علينا أن نستحضر تجارب الماضي وأن نتذكر أن القوة تكمن أحياناً في ضبط النفس وعدم التسرع. وعلينا أن نفهم أيضاً أن التوصل إلى تسوية مشرفة لا يعني التهدئة، كما أنه في الدبلوماسية لابد من بذل المزيد من الجهد بدل توجيه تهديدات من قبيل quot;افعلْ ما أقول لك، وإلا سأدمركquot;.

فالدبلوماسية تمهد للوصول إلى تسويات ولا يمكن أن تقود إلى الحرب، حتى لو كانت تجري مع أطراف يتبنون خطاباً مستفزاً مثل تصريح خروتشوف: quot;إننا سندفنكم أحياءquot;، أو تصريحات محمود أحمدي نجاد التي ينكر فيها وجود شيء اسمه quot;الهولوكوستquot;. وستكسب الولايات المتحدة كثيراً إذا ما تخطت الأزمة الدبلوماسية الحالية باعترافها بالنظام الحاكم في طهران وبدئها الحوار المباشر معه. وهو حوار يمس العديد من القضايا مثل منع انتشار الأسلحة، والبرنامج النووي الإيراني، والترتيبات المرتبطة بالأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، فضلاً عن مناقشة الضمانات الأمنية وإجراءات بناء الثقة. ويمكن للطرفين أن يتفقا على دور استشاري تلعبه إيران في حل مشكلة العراق، بالإضافة إلى مواضيع أخرى مثل نزع سلاح quot;حزب اللهquot; والاعتراف بإسرائيل. وهكذا فإن أي جهد يرمي إلى تغيير المسار الأميركي في العراق يستدعي أولاً الاعتراف بقوة إيران الصاعدة في المنطقة. وسيشكل تطبيع العلاقات بين البلدين خطوة في الاتجاه الصحيح تثبت أن الولايات المتحدة عازمة فعلاً على تغيير سياساتها في المنطقة, وهو ما سيحفز حلفاء أميركا سواء في أوروبا، أو في المنطقة، على الإسهام جدياً في إحلال الأمن والاستقرار في العراق.