عبدالعظيم حنفي
أثارت مذكرات المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر, التي تحمل عنوان quot;قرارات: تجربتي مع السياسةquot;, اهتماما كبيرا وتتناول هذه المذكرات تجربة شرودر السياسية في الفترة التي تولى فيها منصب المستشار بين 1998 و 2005.
يعتبر المستشار غيرهارد شرودر علامة فارقة في التاريخ السياسي الألماني المعاصر, فهو أول مستشار يتمتع بهذا الحضور الإعلامي وبالشعبية الكبيرة رغم الانتكاسات التي عانى منها حزبه الديمقراطي الاشتراكي في السنوات الأخيرة. ولد غيرهارد شرودر في 7 نيسان 1944 في موسينبيرغ/ ليبه في ولاية سكسونيا السفلى, وترعرع في أسرة quot;فقيرة جداًquot; ولكن الفقر لم يكن الهاجس الأكبر الذي اقلق مضجعه, بل غياب فرص التعليم الذي ساهم مساهمة فاعلة في بلورة شخصية شرودر التي اضطرت إلى تعلم quot;فرض نفسها بالقوة quot;, غياب فرص التعليم في طفولته دفع شرودر إلى بدء دراسة مهنية مؤهلة للعمل كبائع تجزئة بين 1959 macr; 1961, ثم قام الشاب الطموح بالدراسة في مدرسة مسائية والحصول على الشهادة الإعدادية. ورغم مزاولته لمهنته نجح شرودر في الحصول على شهادة المرحلة الثانوية ليبدأ دراسة الحقوق في جامعة جوتنغن في عام 1966 وينهيها بنجاح في عام 1971.
وفيما بعد حصل شرودر على إجازة العمل كمحامي 1978 macr; 1990 وعمل كمحامي حُر في مدينة هانوفر. وفي عام 1980 انتخب شرودر عضواً في البرلمان الألماني للمرة الاولى, ثم أصبح في عام 1986 عضواً في الأمانة العامة والمكتب التنفيذي للحزب الاشتراكي الديمقراطي. ولكن نقطة التحول الرئيسية إلى quot;اليمين الاشتراكيquot; في رؤية السياسي الشاب شرورد السياسية تزامنت مع توليه مهام سياسية على أرض الواقع, وهذا ما خرج إلى دائرة الضوء حين أصبح شرودر رئيساً للكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي في برلمان ولاية ساكسونيا السفلى التي تولى رئاسة حكومتها بعد فوزه بانتخاباتها في عام 1990 ومن ثم فوزه بالانتخابات البرلمانية الألمانية كمرشح للحزب الاشتراكي الديمقراطي في عام 1998 لينهي بذلك هيمنة الحزب المسيحي الديمقراطي وزعيمه هيلموت كول على الحياة السياسية الألمانية التي استمرت 16 عاماً.
والجدير ذكره في هذا السياق أن شرودر تبنى رؤية سياسية جديدة أطلق عليها quot;الوسط الجديدquot; في إشارة واضحة إلى أن متغيرات عصر العولمة تتطلب تياراً سياسياً جديداً يوافق بين quot;العدالة الاجتماعية وتحديات الحداثة المتعولمةquot;. وفي مذكراته يوجه شرودر انتقادات لاذعة لسياسة الحزب المسيحي الديمقراطي وإلى رئيسته, المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وإضافة إلى ذلك يتطرق شرودر إلى علاقته الشائكة مع الرئيس الأميركي جورج بوش ويعبر عن شكوكه في خلفيات ودوافع السياسة الأميركية.
ينظر شرودر في مذكراته السياسية بعين ناقدة إلى موقف الرئيس الأميركي بوش وquot;تأثير الدين على سياستهquot;, فهو لا يتقبل تصريحات الرئيس الأميركي التي تحتوي على أقاويل دينية وكأن عملية اتخاذ القرارات السياسية تتمخض عن صلواته, على حد تعبيره. ووفق رأي شرودر تمثل هذه التصريحات تناقضا واضحا مع مبادئ الديمقراطية والعلمانية. ويقول شرودر في مذكراته: quot;إننا ننتقد معظم الدول الإسلامية بسبب عدم فصل الدين عن الدولة فيها, ولكننا لا نلاحظ أن المسيحيين المتعصبين في الولايات المتحدة الأميركية يتجهون بتفسيرهم للإنجيل إلى نفس ذلك الاتجاهquot;: غير أن الضجة التي أثارتها هذه المذكرات تعود أولاً وأخيرا إلى النقد اللاذع, الذي وجهه شرودر للمستشارة الحالية أنجيلا ميركل, فهو انتقد قدراتها القيادية وقال إن quot;الجلوس في صفوف المعارضة يختلف كل الاختلاف عن تولي منصب قيادة ثالث أكبر قوة اقتصادية في العالم, والذي يشمل اتخاذ مواقف متعلقة بالسياسة الخارجية والقيام بإصلاحات داخلية بعيدة المدى.quot;
كما حذر المستشار السابق, الذي يعد من وجهة نظر الصحافة الألمانية شخصية إشكالية تتمتع بهالة إعلامية جذابة تميل إلى quot;شخصنةquot; العمل السياسي, من أن السياسة المتبعة حاليا من قبل حكومة ميركل quot;ستقضي على الاستقلالية التي اكتسبتها ألمانيا في عهده فيما يتعلق بسياستها الخارجية.quot;وكان من البديهي أن تثير هذه التصريحات الواضحة ردود فعل عنيفة من ممثلي الحزب المسيحي الديمقراطي. والشيء اللافت أن المستشار الألماني السابق يعمل حاليا رئيس مجلس إدارة لشركة تمد الغاز الروسي إلى ألمانيا.
- آخر تحديث :
التعليقات