الخميس: 2006.11.09


فنجان قهوة
أبو خلدون


أغلب الظن أن انتخابات نصف الفترة التي جرت في الولايات المتحدة أمس ستكون ldquo;انتخابات التغييرrdquo;، وإذا حملت انتخابات عام 2008 رئيساً ديمقراطياً إلى الحكم فإن التغيير سيكون أسرع مما يتصور أكثر المراقبين تفاؤلا.

ومنذ وصول جورج بوش الابن إلى الحكم عام 2001 تخضع الولايات المتحدة لإدارة رئيس جمهوري، والحزب الجمهوري يمثل مصالح الطبقة الغنية والشركات الكبيرة، أما الحزب الديمقراطي فإنه حزب الأقليات ويمثل مصالح الطبقة العادية، وهو أكثر اهتماما من الحزب الجمهوري بالأوضاع الداخلية، وحتى الأمس القريب كان اهتمام الجمهوريين ينصب على تحسين الأوضاع الاقتصادية وتوفير فرص العمل، بينما كان الديمقراطيون يهربون من هذه المشاكل عندما تواجههم إلى الخارج، ومعظم الحروب التي خاضتها أمريكا في الخارج بعد الحرب العالمية الأولى أشعلها رؤساء ديمقراطيون وأطفأها رؤساء جمهوريون لأن أزيز الآلات الصناعية لا يستطيع الاستمرار في العمل وسط هدير الدبابات وأصوات المدافع. فالحرب الكورية أشعلها الرئيس الديمقراطي هاري ترومان وأطفأها الجمهوري دوايت أيزنهاور، وعملية خليج الخنازير جرت في عهد الرئيس جون كنيدي الديمقراطي، وتصاعدت الأوضاع الفيتنامية حتى تحولت إلى حرب في عهد الرئيس ليندون جونسون، نائب كنيدي، إلى أن جاء الجمهوري نيكسون وأطفأها مع نهاية فترته الأولى في الحكم.

ومع بداية اتجاه الولايات المتحدة إلى المحافظة في عهد رونالد ريجان حدث تبدل في المواقع، فبات الجمهوريون أكثر ميلا لإشعال الحروب، والديمقراطيون أكثر ميلا لتهدئتها، فمبادرة حرب النجوم وتصعيد سباق التسلح مع السوفييت إلى أقصى مدى حدث في عهد رونالد ريجان، وكذلك عملية خليج سرت ضد ليبيا، وإرسال المارينز إلى لبنان، وغزو جرانادا، وغزو بنما واعتقال رئيسها وتقديمه إلى المحاكمة حدث في عهد بوش الأب، وكذلك حرب الخليج الأولى وحصار العراق. ويتحدث الرئيس السابق بيل كلينتون في مذكراته ldquo;حياتيrdquo; عن ضغوط كثيرة تعرض لها لغزو العراق عندما كان في الحكم، ولكنه كان يقاوم الضغوط، ويرضي المطالبين بها بعمليات قصف محدود لأهداف عراقية، لا ترتقي إلى مستوى الحرب وحشد الجيوش، إلى أن جاء جورج بوش الابن إلى الحكم، فغزا العراق وأفغانستان، وأعلن الحرب على ما أسماه الإرهاب.

وانتخابات نصف الفترة التي جرت أمس كانت استفتاء للناخبين الأمريكيين على هذه السياسة الأمريكية المحافظة، فقد احتل الوضع في العراق ما يعادل 68% من اهتمام الناخبين، و32% للأمور الأخرى، بما في ذلك الأوضاع الاقتصادية ونسبة البطالة وإعصار كاترينا. والذين يقولون إن الانسحاب الأمريكي من العراق مستحيل بعد أن رهنت أمريكا كل سمعتها في هذه الحرب، وربطتها بالأمن القومي الأمريكي والحرب على الإرهاب، نقول لهم إن كلاما مشابها كان يتردد في أروقة البيت الأبيض والكونجرس والوسط السياسي في واشنطن عندما كان ما يعادل 700 ألف جندي أمريكي يحاربون في فيتنام، ومع ذلك أوفد نيكسون وزير خارجيته كيسنجر لإجراء مفاوضات سرية مع الفيتناميين في باريس انتهت برحيل القوات الأمريكية من فيتنام، رغم ما كانت تمثله هذه الدولة من أهمية استراتيجية في حرب أمريكا الباردة ضد السوفييت.