الجمعة: 2006.11.17
هارولد ميرسون
برغم الجهد الواضح الذي بذل من قبل الجمهوريين لاستعادة بعضاً من ثقة الناخبين في مرشحيهم الثلاثاء الماضي، إلا أن سيطرتهم على البيت، وأعني بالبيت هنا مجلس النواب، تناثرت إلى فتات مع التحولات الهائلة التي شهدناها على الأرض في أوساط الناخبين المعتدلين وأولئك الذين لم يستقروا على رأي قبيل الانتخابات مباشرة. هؤلاء تحولوا شيئاً فشيئاً إلى المعسكر الآخر، إلى الديمقراطيين.
يدور الكثير من الحديث عن التنافر الكبير بين الديمقراطيين أنفسهم لدى حصولهم الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، أعتقد أنه على صعيد السياسات الاقتصادية، فإن منطقاً تقدمياً بدأ يتشكل.
تفوق الديمقراطيين تركز بالأساس في ولايات الشمال الأوسط والغرب الأوسط ومناطق الجبال الغربية. بينما لم يحصل معسكرهم على أكثر من صوتين اثنين في الجنوب، خارج ولاية فلوريدا. في المقابل، خسر أبرز رموز معسكر المعتدلين بين الجمهوريين مقاعدهم، وعلى رأسهم عضو مجلس الشيوخ لينكولن تشافي عن ولاية رود آيلاند وعضو مجلس النواب جيم ليش عن ولاية أيوا.
لكن برغم الولاء الذي بقي الحزب يتمتع به في الولايات الجنوبية حتى بعد الخسارة القاسية، تبدو هذه الولايات بالذات مصدر القلق الأكبر للجمهوريين. فمن تلك الولايات بالذات خرج أعضاء الحزب الأكثر ولاءاً يصرخون من هول زلزال الانتخابات. ففي ولاية أريزونا على سبيل المثال، كانت النتائج أكثر من مخيبة للآمال. ليس فقط لأن الديمقراطيين تمكنوا ببساطة من حصد مقعدي مجلس النواب من تلك الولاية، بل صوت ناخبوها وبقوة ضد أي حظر على زواج الشواذ. لقد زادت الهوة بين التيار الليبرالي المتحرر والمتشددين على أسس دينية في الجنوب اتساعاً حتى وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.
لكن ماذا عن الديمقراطيين؟ هل يمكن اعتبار الأغلبية التي حصلوا عليها في المجلسين في انتخابات الثلاثاء الماضي تمهيداً لانفجار قنبلة التحرر والليبرالية في المجتمع الأميركي؟ وكيف ستتعامل نانسي بيلوسي، الديمقراطية التي يعتقد على نطاق واسع أنها الرئيس القادم لمجلس النواب، مع القضايا الساخنة لزواج الشواذ وإقامة الصلوات في المدارس؟
حسناً، أعتقد أن بيلوسي نفسها هي من سيتمكن من إدارة جدول الأعمال في مجلس النواب، بمعنى أن القضايا التي من شأنها توحيد الصف الديمقراطي ستكون لها الأولوية على جدول الأعمال. وأرى أن الديمقراطيين قد أضحوا أكثر توحداً فيما يتعلق الأمر بمجموعة من القضايا الرئيسية، على عكس ما يعتقد الكثيرون.
أتعجب كثيراً من درجة التوحد التي تظهر عليها الأغلبية الجديدة في المجلسين بشأن عدد من القضايا التي لطالما فرقت صف الديمقراطيين أكثر من أي شيء آخر، وعلى رأسها قضية التجارة.
فمنذ تمرير اتفاقية التجارة الحرة بين بلدان أميركا الشمالية، المعروفة باسم نافتا، في العام 1993، بدا النواب الديمقراطيون في مجلس النواب وكأنهم يتحركون بخطى حثيثة بعيداً عن تبني أية سياسات تجارية يمكن أن تعود بالنفع عن الشركات الكبرى وأصحاب الاستثمارات برغم تدني مستويات الأجور في الولايات المتحدة. على الجانب الآخر، عاش نوابهم في مجلس الشيوخ فترة من الانقسام حول سلسلة من التشريعات الخاصة بالتجارة على مدار السنوات العشر الأخيرة.
لكن زلزال الثلاثاء الديمقراطي غير كل هذه المعطيات. فبنظرة سريعة إلى الأعضاء الديمقراطيين الذين حصدوا مقاعد مجلس النواب التي بقيت لسنوات ملكية ديمقراطية، أظهر حصر أعدته هيئة مراقبة حرية التجارة في الولايات المتحدة سبعة وعشرين نائباً ديمقراطياً حقق الفوز على منافس جمهوري يعرف بتأييده لسياسات التجارة الحرة.
النواب الجدد سرعان ما أعلنوا تأييدهم لسياسات التجارة العادلة، وليست الحرة، مؤكدين على حقوق العمالة وضرورة احترام المقاييس البيئية.
في كارولينا الشمالية على سبيل المثال، شن النائب الديمقراطي الجديد هيث شولير هجوماً حاداً على خصمه الجمهوري تشارلز تايلور بعد تراجع الأخير عن التصويت ضد اتفاقية التجارة الحرة مع بلدان أميركا الوسطى. شولير قال خلال حملته الانتخابية (لا أعتقد أنه من الصواب أن يصوت الكونجرس على اتفاقية للتجارة من شأنها منح آخرين الوظائف التي يستحقها الأميركيون.)
سيكون التناقض في السياسات أكثر وضوحاً في مجلس الشيوخ المنتخب بعد أن تمكن عدد لا يستهان به من النواب الديمقراطيين من الإطاحة بمجموعة من المنافسين الجمهوريين الأقوياء بعد أن بنوا حملاتهم الانتخابية على ضرورة الانتباه لأخطار التجارة الحرة وسياسات عولمة الاقتصاد. من هؤلاء كلير مكاسكيل من ولاية ميزوري وجون تيستر من ولاية مونتانا وشيرود براون من ولاية أوهايو وبوب كيسي من ولاية بنسلفانيا وشيلدون هوايتهاوس من ولاية رود أيلاند، إضافة إلى جيمس ويب من ولاية فيرجينيا.
تيستر على وجه التحديد ركز بشدة في حملته الانتخابية على انتقاد اتفاقيات التجارة الحرة بسبب ما أسماه الخطر الذي يتهدد وظائف الأميركيين. الإعلانات الخاصة بويب على موقعه على الإنترنت قالت بوضوح علينا إعادة تقييم سياساتنا الضريبية والتجارية والتوصل إلى أفكار أكثر عدلاً بالنسبة للأميركيين.
نصر الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي الأسبوع الماضي بين بما لا يدع مجالاً للشك معارضة قطاعات واسعة من الأميركيين لتحرير التجارة. نتيجة عكسها استطلاع رأي أخير أجري بين الأميركيين أعرب فيه أربعون بالمائة منهم عن اعتقادهم أن الأجيال القادمة ستعيش أوضاعاً أسوأ مما يبدو عليه الحال اليوم، بينما رأى ثلاثون بالمائة أن الأجيال القادمة ستعيش في حال أحسن. نتيجة تبدي بوضوح مدى التشاؤم الذي وصلت إليه ما عرفت دوماً كأكثر بلاد العالم تفاؤلاً.
مجلس الشيوخ على وجه التحديد سيرى تغيراً حقيقياً في هذا الجانب. بدخول عناصر من قبيل شيرود براون وبيرني ساندرز نائبة ولاية فيرمونت من شأنه إضافة مزيد من القوة إلى التيار المعارض لتحرير التجارة، توجه أعلن براون أكثر من مرة عزمه المضي فيه عندما قال إن زمن سيطرة الرئيس على كل ما يتعلق بشؤون التجارة قد ولى إلى غير رجعة.
الديمقراطيون عادوا للسيطرة على مجلس الكونجرس بعد اثنتي عشرة سنة عاشوا فيها في مقاعد الأقلية بعد خسارتهم للأغلبية في انتخابات التجديد النصفي عام 1994. خسارة تسبب فيها بالأساس تصويت الديمقراطيين لصالح اتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية نافتا، خسارة لا يبدو لي أنهم على استعداد أن يعيشوا مثلها مرة ثانية.
يعمل الكاتب مسؤولاً عن التحرير في مجلتي أميركان بروسبيكت إل إيه ويكلي
عن (الوطن) العمانية.
التعليقات