عبدالرحمن الراشد
بالتأكيد لن تظل الامور معلقة، وما نتيجة الانتخابات النصفية الاميركية التي اطاحت بالجمهوريين، الا خطوة اعترافية بالتغييرات الآتية. فالولايات المتحدة ارادت بتغيير نظام صدام حسين اسقاط مصدر التوتر في المنطقة، واقامة نظام عراقي موال لها مشابه لمعظم الانظمة العربية الموالية لها في المنطقة، كون العراق بلدا نفطيا واستراتيجيا.
لكن المشروع الاصلي عجز عن الصمود حتى الآن بسبب عدم واقعيته وعجز صانعيه عن فهم العراق والتعامل مع حقائق الأمور، كما هي على الأرض.
بسبب ذلك نحن نقف امام فصل جديد، فيه احتمالات متعددة، واحيانا متناقضة. ولا يمكن بعد الجزم بالكيفية التي ستؤول الامور اليها، مع انه يمكن التعجل بالقول انه لا يوجد فيها ما يستحق التفاؤل بكل اسف. اولها احتمال السيطرة الايرانية. وثانيها احتمال الفوضى الدائمة. وثالثها احتمال التقسيم وحروب الاقاليم. والرابع هو الأبعد، اي احتمال الاستقرار، بناء على اتفاق تبرمه دول المنطقة.
في هذه المعمعة وما سبقها، ايران هي الكاسب على الدوام من كل التحركات الاميركية في المنطقة. اسقطت اميركا طالبان، الذي كان النظام العدو لطهران في افغانستان، وبعدها فتحت واشنطن بغداد لصالح طهران، التي كانت تعتبرها حلما بعيد المنال، ثم اسقطت واشنطن نظام فتح، الذي كان يحكم المجتمع الفلسطيني في الداخل والخارج لاربعين عاما، وباسم الديموقراطية سلمت مقاليد الحكم لحماس التابعة روحيا وماليا لايران. وكادت ان تفعلها في مصر عندما اجبرت النظام على الانفتاح الديموقراطي، الذي كاد ان يسلم مصر للاخوان المسلمين، المتخندقين مع ايران أيضا. عمليا كانت الولايات المتحدة الحليف الحقيقي بدون علمها للايرانيين، والنتيجة لا بد ان تتوج ايران قوة اقليمية تسيطر على الوضع. هذا الاحتمال على وشك الحدوث وخطير التبعات على الجميع، بما في ذلك ايران نفسها، التي تعاني من تمكن المتطرفين داخل النظام، الذين اقصوا المعتدلين في الحكومة والمؤسسات التابعة، مثل الجامعات والإعلام. حدث ذلك منذ تولي احمدي نجاد وخروج محمد خاتمي واضعاف هاشمي رافسنجاني. وقد تجلى التشدد في اوضح صوره في معركتي الجنود الاسرائيليين الثلاثة بين حماس وحزب الله من جانب واسرائيل من جانب آخر. اثيرت الحرب من اجل قضية ايرانية بحتة وسورية بالدرجة الثانية.
اذا صحت هذه القراءة فهذا يعني ان الحكومة الاميركية الحالية قد تقبل بالحقيقة وتعترف بالهزيمة وتتعامل مع ايران. ستكون التبعات خطيرة ليس بسبب خروج الاميركيين او خضوعهم، بل بسبب ايران التي لم تبد ابدا اي استعداد للتعايش الواقعي في المنطقة، بل انشغلت دائما في التثوير والتغيير على الطراز السوفييتي القديم. وغالبا لن تفيد سياسة ايران الايرانيين، بل ستزيد المنطقة اشتعالا وحروبا بين السنة والشيعة والانظمة، وستثقل ايران كاهلها بنفسها كما حدث للاتحاد السوفييتي، الذي ترنح بسبب مغامراته الخارجية المكلفة جدا، وكما يحدث لاميركا اليوم.
التعليقات