الخميس: 2006.11.23


فنجان قهوة
أبو خلدون


لا أدري من القائل إن الموهبة والمال لا يجتمعان، ولكنه قطعا على خطأ في قوله، فالموهبة عندما تبحث عن شخص تسكنه لا تسأل عن ثروته، وشكسبير، أعظم شاعر أنجبته البشرية، كان يعيش حياة الاثرياء، ولم يكن فقيرا معدما، ونسبة عالية جدا من كبار الأدباء والفنانين والمفكرين والفلاسفة في التاريخ تحدروا من أسر ثرية، كما إني أعتقد أن قول أحد شعراء جبل عامل في لبنان: ldquo;ولو إني وجدت مكان شوقي/لسال الشعر من تحتي وفوقيrdquo;، يفتقر الى المصداقية ايضا فحافظ إبراهيم لم يوجد مكان شوقي في قصر الخديوي، ومع ذلك فإن الشعر سال من فوقه وتحته، وعن يمينه ويساره ومن تحت أصابعه، وكان شوقي يرى في حافظ منافسا له على إمارة الشعر، ومن طريف ما يروى عن حافظ أنه، قبل دخوله إلى المقهى الذي كان يتردد إليه كان ينظر من خلال زجاج النافذة ليرى فيما إذا كان شوقي موجودا فيه، فإذا وجده دخل وهو على ثقة أن هنالك من سيدفع ثمن فنجان القهوة الذي سيطلبه، وإذا لم يجده تابع مسيره. وفي أحد الأيام أراد شوقي أن يمتحن شاعرية حافظ وسرعة بديهته، وعندما جاء النادل يطالب حافظ إبراهيم بثمن فنجان القهوة أشغل شوقي نفسه بالتحدث إلى إمام العبد، وشعر حافظ بالحرج، فقال مرتجلا: ldquo;يقولون إن الشوق نار ولوعة، فما بال شوقي اليوم أصبح بارداrdquo; فضحك شوقي وقال له: ldquo;لا تكمل، أرجوكrdquo; ثم دفع ثمن الفنجان للنادل الذي كان ينتظر.

وعبد الله عبد اللطيف العثمان كان من أثرى أثرياء الكويت، وكان يكتب الشعر، ويقرب الأدباء والشعراء في مجلسه.

وسلطان العويس أعطاه الله الكثير من فضله، وكان شاعرا متميزا، وقد صدر عنه كتاب بعنوان ldquo;إنس الجليس في شعر سلطان العويسrdquo; من تأليف الزميل محمود علياء يضعه الكاتب فيه في مصاف كبار شعراء ldquo;الرسم بالكلماتrdquo; الذين جمعهم الاتجاه الإنساني من أمثال أحمد الصافي النجفي وبدوي الجبل والجواهري وعمر أبو ريشه، وغيرهم، بل إن في بعض قصائد العويس صوراً شعرية حافلة بالجمال والرشاقة لا تجد مثيلاً لها في أشعار هؤلاء، وبعضها أفضل من شعر الأقدمين.

ومن طريف ما يروى عن سلطان العويس أن أحد الفنانين أرسل له لوحة فنية ldquo;ملفوفةrdquo;، فضها الشاعر فلم يجد فيها ما يلفت نظره، فوضعها خلف كرسي في مكتبه الكبير، وبعد خمس سنوات تلقى كتابا ldquo;ملفوفاrdquo; يحاول الفنان أن يلتف فيه على الشاعر ويطالبه بدفع مبلغ 50 ألف دولار ثمنا للوحة التي اعتقد أنها فقدت وذكر في الكتاب رقم حسابه مع اسم المصرف، ولكن حظ الفنان الملتف كان سيئا لأن الشاعر العويس تذكر مكان اللوحة فأحضرها وكلف صديقه المحامي ناجي بيضون بالرد على كتاب الفنان، مع رد اللوحة بالطبع، وبما أن القضية ldquo;تشكيليةrdquo; فقد أرفق الشاعر مع اللوحة قصيدة ldquo;مَشكَّلةًrdquo; حسب الأصول أشير فيها إلى اسم الفنان بحرف ldquo;X ldquo; وجاء فيها: ldquo;عجبت للوحة الرسام ldquo;إكسrdquo;/مزركشة ترفرف كالدرفس/ أتتني دونما طلب ورأي/وما تاقت إلى اللوحات نفسي/تأملت الإطار وما حواه/كأن الرسم تم بذيل تيس/سألت فقيل حمَّلها زياد/إلى زيد فصح بذاك حدسي/بأن اللوحة المهداة فخ/توخاه الثلاثة بعد درس/فإن فقدت فما للدفع بد/وإن بقيت فدينار بفلس/ حفظت اللوحة المهداة دهرا/لتبقى حين تطلب دون مسrdquo; ثم يذكر الشاعر أن الفنان طلب ثمنا للوحته مبلغا ldquo;ليس يرقى اليه مهر عبلة بنت عبسrdquo; ويقول: إنه أعاد اللوحة لصاحبها ليريح رأسه.

رحم الله سلطان العويس، فقد كان شاعرا، وإنسانا، ويتمتع بظرف لا تجده لدى الكثيرين من الشعراء.