الخميس 30 نوفمبر 2006

فنجان قهوة
أبو خلدون


ألمانيا بأسرها تضحك الآن على هتلر وتسخر منه، فقد شفي الألمان تماما من الحقبة النازية بعد مضي ما يزيد على ستة عقود على سقوطها، وبات في استطاعتهم السخرية منها، والضحك عليها باتساع أشداقهم.

ولعل أفضل ما نفعله مع الطغاة هو أن نسخر منهم ونضحك عليهم لكي نشعرهم أنهم لا يثيرون في النفس إلا السخرية والضحك، وقد كتب برنارد شو، الأديب الساخر معلقا على فيلم ldquo;الديكتاتورrdquo; لشارلي شابلن: ldquo;إن النكتة سلاح خطير، وهي قادرة على تغيير الانظمةrdquo;.

والروس سخروا من الشيوعيين عندما كان النظام الشيوعي مسلطا فوق رقابهم، وفي إحدى الساحات في مدينة موسكو كان ينتصب تمثال للينين وهو يمد يده وكأنه يحيي الجماهير، وفي أحد الأيام استيقظ سكان موسكو ليجدوا علبة مواد غذائية فارغة في يد التمثال، علَّقها أحدهم أثناء الليل وكأنه يقول إن التماثيل ونظريات أصحابها لا تقدم مواد غذائية للناس. وبعد سنوات، كانت تماثيل ستالين ولينين وغيرهما من الزعماء الشيوعيين تحال إلى المصانع لإعادة تدويرها إلى صحون وأوانٍ وأدوات منزلية.

وفاكلاف هافيل، الرئيس التشيكوسلوفاكي السابق، سخر في مسرحياته من الدبابات السوفييتية التي اجتاحت ربيع براغ وصبغته باللون الأحمر، وهدفها تحويل وجوه التشيك إلى ما يشبه الدبابات، وبعد سنوات، انتصر ربيع براغ، وحصل التشيكوسلافاكيون على حريتهم واستقلالهم، وتعرض الاتحاد السوفييتي نفسه للانهيار.وفي برلين، استيقظ الألمان قبل أسابيع ليجدوا شوارع مدينتهم مزينة بالشعارات النازية والصلبان المعقوفة وصور هتلر، بينما آلاف الشباب يرتدون الزي النازي وينتشرون في الشارع الرئيسي، كورفورستندام شتراسي، وهم على أهبة الاستعداد، ولكنهم ضحكوا عندما علموا أن ذلك ليس نذيرا بعودة النازية، وإنما لتصوير المشاهد الأخيرة من فيلم جديد يسخر من هتلر عنوانه ldquo;أصدق الصدق الصادق عن أدولف هتلرrdquo; هو أول فيلم ساخر تنتجه إلمانيا عن الحقبة النازية.

والطريف في الفيلم أن منتجه لم يدفع فلسا واحدا من تكاليفه، فقد غطت تبرعات الناس العاديين التكاليف وأكثر، .

وهيلج شنايدر يقلد صوت وحركات وإيماءات هتلر تماما، وفي الفيلم يدرب هتلر كلبه على تأدية السلام النازي، ويلبسه زيا شبيها بالزي النازي، ثم يحبو إلى جانبه في مقر الاستشارية وينبح معه. وفي الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، في أواخر عام ،1949 يفقد هتلر الثقة بنفسه ويعلم إن نهايته باتت حتمية، فيستدعي وزير دعايته جوزيف جوبلز البروفيسور اليهودي أدولف جرونبوم، استاذ فن التمثيل المسرحي، من معسكر الاعتقال الذي يتواجد فيه لتدريب هتلر على مخاطبة الجماهير وبث روح الحماس فيهم، ويقول له: ldquo;لا تأخذ الكلام عن الحل النهائي بشكل جديrdquo;.

ويحاول البروفيسور في البداية اغتيال هتلر ولكنه يفضل، ان يكتفي بتلقينه دروسا في التمثيل ليكتشف في النهاية أنه تحول إلى طبيب نفساني، وأن هتلر لم يتمكن، رغم تقدمه في السن، من التغلب على عقدة أن والده كان صارما معه، ويحاول دائما تتفيهه، وفي إحدى الجلسات يقول هتلر للبروفيسور، بينما الدموع تنساب من عينيه: ldquo;أعطاني والدي ذات يوم بندقية صيد، ونظر إلى أعلى وقال لي: اصطد هذا الطائر، فأطلقت النار على الطائر، فسقط على الأرض، فقال والدي: ldquo;حدث ذلك بالصدفةrdquo;، وفي مشهد آخر يخطىء حلاق الفوهرر الخاص ويحلق له الجانب الأيمن من شاربه، فيستشيط هتلر غضبا ويفقد صوته، في وقت كان يستعد فيه لإلقاء خطاب في الجماهير.

والطاغية ينتهي بغيابه عن المسرح، وذات يوم كانت كلمة القيصر تهز العالم، وبعد سقوطه لم يعد حتى أفقر الفقراء في روما يأبه له.