ساطع نور الدين

في الفقه كما في السياسة، يجوز الوقوف مع فؤاد السنيورة ظالما او مظلوما، مع العلم انه يتعرض هذه الايام لظلم قاس من الجمهور الذي يشتمه في الشوارع، ويوجه إليه اتهامات لا تغتفر، ويلقي عليه مسؤوليات وتبعات لا تحتمل.. ويسيء الى الرجل الوحيد ربما الذي لا يستحق في هذه المرحلة ادنى اساءة، شخصية كانت ام سياسية.
ليس في سجل السنيورة من سيئات تذكر، سوى انه كان ولا يزال يفرض الضرائب ويجبيها بمتعة ما بعدها متعة، ويضعها في الحساب المكشوف للمالية العامة، من دون ان يسعى، او الاصح من دون ان تتاح له فرصة لكي يسعى الى سد الثقوب الواسعة في موازنة الدولة من المعونات والاستثمارات والابتكارات الاقتصادية، كما كان سلفه الراحل الكبير رفيق الحريري يفعل، ويحاول بشتى السبل ان يخفف عن البلد ثمن حروبه الاهلية والاقليمية التي لا تنتهي.
في تجربته الحالية الحرجة في رئاسة الوزراء لم يغادر السنيورة ذلك الدور الضرائبي تماما، والذي لا ينتقص من تاريخه كواحد من اكفأ رجال المالية العامة الذين عرفتهم الدولة اللبنانية واكثرهم نزاهة.. وفق المعايير الواقعية الدقيقة التي لا توفر لصاحبها في العادة اي قدر من الجماهيرية، بل تجعل منه هدفا دائما للغضب الشعبي، الذي لم يبذل الرجل حتى الان جهدا كافيا لتبديده.
لكن محاصري السراي الكبير اليوم، لا يعترضون على هذا الدور التقليدي للسنيورة، بل على الوجه الجديد الذي قدمه في الشهور الماضية واكتسب من خلاله وعن جدارة استثنائية صفة رجل الدولة الذي يدير الجمهورية بمساحتها الكاملة بمسؤولية سياسية خاصة، وفي ظرف حرج جدا، يمكن لاي خطأ فيه ان يكون قاتلا بالمعنى الحرفي للكلمة.
وأي قراءة موضوعية لتجربة الحرب الاسرائيلية الاخيرة على البلد كله تؤكد انها اضافت الى رصيد السنيورة، وتبرر له ان يتوسع في شرحها وتفصيل نتائجها الكارثية والمساعي الحثيثة لانهائها، في رسالته الاخيرة الى اللبنانيين، في الوقت الذي كان معارضوه يتجاهلونها كليا في رسائلهم الى جمهورهم المدعو الى الشوارع بدوافع تكاد تصبح غرائزية، تتحدى الاكثرية الداخلية التي يتمتع بها رئيس الوزراء الحالي، وتغامر في خوض مواجهة غير محسوبة مع شبه الاجماع العربي والدولي الذي يحظى به..
ليس للسنيورة بديل في هذه المرحلة، لا من محيطه الخاص، ولا طبعا من البيئة المعارضة التي تشتمه الان ..من دون المخاطرة بالاحتكام الى ثقافة الشارع واهله الذين يعتبرون الضرائب اعتداء، وينظرون الى الدولة بصفتها خزيا، ولا يدركون الكثير من خلفيات وصول ذلك الرجل ومن دون إرادته الى السراي الكبير، ولا يعرفون شيئا عن أدواره في الشهور القليلة الماضية ويكتفون بما يسمعونه من قياداتهم واعلامهم.
مع السنيورة ليس فقط لانه مظلوم، بل لانه ايضا عنوان الاستقرار وشرطه الوحيد وضمانته الاخيرة.