نفوذها قد يتعدى الحواضر الشيعية ...


طهران - حسن فحص


لا شك في أن القيادة الإيرانية تعتقد بضرورة القيام بعمل ما لمساعدة العراق للخروج من الوضع القائم حالياً، وان هذه المساعدة لن تصب فقط في مصلحة الشيعة العراقيين وحدهم، بل ستكون أيضاً في مصلحة السنّة. لأن العنف الذي يعاني منه العراق، يعتبر في اعتقادها معادلة معقدة ومركبة تدخل فيها أطراف غير عراقية، وتستخدمه وسيلة للوصول الى أهدافها الإقليمية.

من هنا، فإن السؤال الأول الذي يتبادر الى الذهن حول الدور الإيراني في العراق: هل ان إيران جادة في المساعدة على إنقاذ العراق؟ وهل تعتبر طهران أن تقديم المساعدة للعراق سيكون بمثابة تقديم مساعدة للولايات المتحدة الأميركية لإخراجها من أزمة حقيقية كانت السبب في إلحاق الهزيمة بالحزب الجمهوري والرئيس جورج دبليو بوش في الانتخابات الأخيرة؟

يبدو، في المحاولة الأولى لتلمس الرد على هذه الأسئلة، ان طهران واضحة في تحديد الهدف الذي تسعى اليه في العراق، وهو المساهمة في إيجاد دولة وحكومة قويين مستندة الى تأييد شعبي وقادرة على الحكم وقيادة بلد إسلامي تحترم فيه حقوق كل الطوائف والقوميات. على اعتبار ان قيام مثل هذه الحكومة أو الدولة، لن يكون في سياق الأهداف الأميركية، بل يساعد على تخفيف المخاوف من انتقال عدوى الفوضى الى دول الجوار بما فيها إيران، وأن عراقاً هادئاً ومستقراً لن يكون في حاجة لمساعدة أميركية أو بريطانية laquo;لسد الفراغraquo;.

إذاً، laquo;فإن إنقاذ العراق وبناء دولة حرة ديموقراطية، يعتبران هدفين مقدسين لدى القيادة الإيرانية ومسؤولية إسلامية يجب العمل على تحقيقهاraquo;. وان تحقيق تقدم إيجابي على هذا الصعيد قد يساعد على استقرار العالم الإسلامي ومن ضمنه إيران وبالتالي يمهد الطريق لإسقاط الذرائع أمام الوجود الأميركي في المنطقة على الأقل تدريجياً. وان laquo;على إيران اعتماد سياسة مرنة وحذرة في الوقت نفسه من أجل الوصول الى هذه الأهداف واستغلال الفرص المتاحة أمامهاraquo;، على ما تقول أوساط إيرانية مطلعة.

وفي مقابل هذه الفرصة السانحة أمام إيران، تستشعر الأخيرة أخطاراً من الدخول المباشر في المغامرة العراقية الى جانب واشنطن، وهي لا تخفي مخاوفها من مساعٍ أميركية، بريئة كانت أو خبيثة، لجر إيران الى الغرق معها في المستنقع العراقي. وإذا أرادت الدخول في هذه اللعبة، فإنها تتوقف عند حجم التوقعات لدورها وتعاونها وما قد تفعله، وتسأل عن قدرتها على لعب دور فاعل يساعد في تهدئة الأوضاع، خصوصاً في ظل فشل الجيوش الأميركية في تحقيق ذلك؟

ولا تقف المخاوف الإيرانية عند هذه الحدود، بل تتصور إمكان الفشل في تقديم المساعدة أو لعب الدور المطلوب، وعندها تكون طهران دخلت في دائرة الأهداف الأميركية عبر توريطها الى جانب سورية في هذا المستنقع، وبالتالي ترسيخ الاتهام لهما بلعب دور معرقل في العملية السلمية والديموقراطية في العراق. أما في حال النجاح وعودة الهدوء والاستقرار الى العراق، فإن إمكان أن تنقلب أميركا عليهما في إطار استكمال ما كانت قد بدأته من مشاريع في المنطقة تبقى قائمة، خصوصاً أن طهران لم تحصل بعد على أي ضمانات أميركية بالتخلي عن هدف إسقاط أو تغيير النظام الإسلامي في إيران.


إيران وحجم التأثير

كل الأطراف الدولية، خصوصاً أميركا والدول الاقليمية، تعتقد في إمكان أن تلعب إيران دوراً إيجابياً مؤثراً في استعداد العراق للأمن والاستقرار، على قاعدة الاتهام الموجه إليها بأنها تلعب دوراً سلبياً وتساعد في زعزعة الاستقرار في هذا البلد.

لكن، وفي قراءة موضوعية للتأثير الإيراني في العراق، لا تخفي طهران علاقاتها ودورها المؤثر على غالبية المجموعات والأحزاب الشيعية، لأن الجانب الأميركي لا يخفي دعمه ومساعيه لإعطاء دور لأحزاب علمانية ذات واجهة شيعية (إياد علاوي) ما يزيد من المخاوف الإيرانية من إمكان عودة بقايا البعثيين الى السلطة في بغداد، مع ما يحمله ذلك من محاذير بعودة التوتر على خط العلاقات بين الأخيرة وطهران. لكن طهران ترى أن في إمكانها التدخل لدى الجماعات الشيعية الأخرى ونصحها بعدم التورط، خصوصاً في ما يتعلق بمواقفهم من السياسات العامة للحكومة والتعاطي البناء معها بما يساعد على فرض سلطتها ونشر الأمن في العراق.

وقد يكون بمقدور إيران بذل جهودها ومساعيها لمنع تورط الشيعة في حرب طائفية مع السنّة في العراق وبالتالي منع اتساع رقعة هذه الفاجعة التي تهدد استمرار الانجاز الذي تحقق في المشاركة الشيعية في السلطة والحكم، الى جانب الحفاظ على وجود العراق ووحدته.

لكن السؤال الذي يطرح وتطرحه إيران: ماذا عن المجموعات والأحزاب السنّية المتطرفة؟ هي، في المفهوم الإيراني، غير قادرة على لعب دور في هذا الإطار، والمطلوب لجعلها قادرة على هذا الدور، مساعدة الدول العربية ذات الثقل السنّي، مع استعباد وجود رغبة لدى هذه الدول في تقديم مساعدات في هذا السياق.

وفي هذه النقطة، تستشعر طهران مخاوف من أن يؤدي تدخلها المباشر في المساعدة على إعادة الأمن والاستقرار الى العراق الى تحولها هدفاً جدياً لنشاطات تنظيم laquo;القاعدةraquo; بعد أن استطاعت تجنب هذا الأمر حتى الآن. ودخول laquo;القاعدةraquo; على خط العمليات الأمنية داخل الأراضي الإيرانية سيعتبر بمثابة تقديم انتصار مجاني لأميركا التي تعمل، وفق الرؤية الإيرانية، لزعزعة الاستقرار الداخلي الإيراني بشتى الوسائل والطرق، وأبرزها إثارة النعرات القومية والمذهبية في أكثر من منطقة إيرانية.

من هنا، بحسب الإيرانيين، فإن مسؤولية التعاطي والحوار والضغط على الأحزاب والجماعات السنية في العراق تقع على عاتق الدول العربية القريبة والبعيدة عن أميركا، laquo;لأن هذه الدول تشكل المعبر الرئيس لتهريب الأسلحة للجماعات التخريبية في العراق إضافة لما تمتلكه هذه الجماعات من أسلحة تعود للنظام السابقraquo;.

وتعتقد إيران ان إعادة الأمن والاستقرار الى العراق، بحاجة لتعاون كامل بين دول المنطقة ومن ضمنها إيران وسورية، وكذلك الى تفاهم جماعي. وهذا التفاهم laquo;يجب أن يقوم على الحقائق الموجودة في العراق وفي غير هذه الحال، فإن الأمور لن تصل الى نتيجةraquo;.

ويرى الإيرانيون انه إذا استطاعت أميركا الخروج من الوحل العراقي، فستحتفظ عندها بالقوة التي تسمح لها بالتحول نحو إيران وبعض الدول الأخرى الضعيفة وضربها. وفي هذه الحال، من الطبيعي ان تطرح طهران على نفسها سؤالاً حول جدوى الموافقة على التعاون مع أميركا من دون الحصول على أي امتياز وفي حين تصر أميركا على كل مطالبها بما فيها فرض تخلي إيران عن برنامجها النووي السلمي؟ في المقابل، من الطبيعي أن يكون لدى الحكومة العراقية الحق بتوقيع المساعدة والتعاون من إيران انطلاقاً من اعتبارات متعددة. لكن، ترى طهران أن على الحكومة العراقية إفهام الجانب الأميركي هذه الحقائق التي قد تساعده على إيجاد سبل الخلاص من أزمته.

لذلك ليس امام واشنطن للحصول على تعاون إيراني في العراق سوى تقديم تنازلات جدية، وأول خطوة هي الاعتراف بواقع البرنامج النووي الإيراني مع الموافقة على فرض رقابة على إيران لمنع حصولها على أسلحة نووية، وأن تعترف واشنطن على الأقل بحق إيران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها تمهيداً لإنتاج الوقود النووي.

إذا ما وافقت أميركا على هذا الواقع أو قبلت بهذه الحــقيقة، يمكنها حين ذاك التقدم في سياستها الشرق أوسطية، وفي غير هذه الحال ستكون محرومة من التعاون والمساعدة الإيرانيين، أي استمرار الوضع الحالي والذي لا أمل في تحسنه.