الأربعاء13 ديسمبر2006


عاطف الغمري

يذكرني الوضع في لبنان بكتابات نشرت في صحف أمريكية بعد اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية عام ،1976 بأنه كانت هناك تدابير خارجية لتعزيز الأسباب المحلية للنزاع بين اللبنانيين، لتشتعل نيرانه ويكون نموذجا لحريق طائفي إقليمي يمتد إلى أرجاء أخرى في العالم العربي.

وفي الشرق الأوسط لا تعتبر أوضاعه بقعا مجزأة منفصلة عن بعضها، لكنها تكّون معا خريطة إقليمية متشابكة، تؤثر أجزاؤها في بعضها بعضاً، وما كان قائماً قبل سنوات بعيدة وقت الحرب الأهلية اللبنانية، تقوم له اليوم أوضاع شبيهة، تنعكس على هذا الترابط بين قضايا العراق وفلسطين ولبنان، من ناحية اشتعال النيران، وسكب الوقود فوق مواقع التهاب محلية، حتى تستعصي على الحل، بالطريق المنطقي والطبيعي، وهو الحوار والتفاهم للمحافظة على الوحدة الوطنية.

وإن ما يجعل الوضع الحالي في لبنان خطيرا، أن العالم العربي بكامله قد أدخل ضمن استراتيجيات القوى الكبرى، التي نقلت خط المواجهة من على حدود الاتحاد السوفييتي السابق إلى قلب العالم العربي، في إطار حقبة جديدة قائمة على قواعد لعبة دولية مختلفة، ترى أن منطقتنا في العالم العربي، هي الأكثر اضطراباً في العالم، والأكثر تهديداً للأمن القومي لهذه القوى، فأزالت الفواصل بين سياستها الخارجية وأمنها القومي وبين الشأن الداخلي في بلادنا، وهو ما يجعلنا نتساءل عما إذا كان دفع الموقف الداخلي في لبنان إلى نقطة الاشتعال والفوضى الداخلية تدعمه استراتيجية جديدة، تنهج وسائل الفوضى الإقليمية، في مسار قد يتفق في بعض جوانبه مع النظرية القديمة للحريق الإقليمي، والذي كان مقررا له أن يبدأ من لبنان عام ،1976 وأن المواجهة التي شهدها الشارع اللبناني هي التي تهيئ الأسباب لهذه النظرية اليوم.

إن الكرامة الوطنية وقيم الحرية والاستقلال تفرض على كل الأطراف أن تفوت على التدابير الخارجية اللعب بمصير لبنان، وهذا لايتأتى بالمواجهة والتباعد، وإنما بالالتقاء على هدف حماية الوحدة الوطنية، أولا وقبل أي شيء، ثم الاتفاق على أي ترتيبات تنزع فتيل الأزمة، وتحقق للوطن اللبناني الأمن والاستقرار.

فنحن كعالم عربي ومن ضمنه لبنان نقف جميعا على خط المواجهة الجديد، ونتعامل مع أوضاع دولية، ليست ldquo;إسرائيلrdquo; بعيدة عنها، ومن مصلحتها هز استقرار لبنان ودماره، لا يهمها من يربح ومن يخسر، المهم عندها هو إضعاف حلقة أخرى من حلقات العالم العربي المحيط بها، والمتاخم لحدودها.

وكما هو معروف كانت نظرية تفتيت العالم العربي من داخله، والصدام بين طوائفه، جزءاً أساسياً من استراتيجية ldquo;إسرائيلrdquo; في المواجهة مع العرب، عبر كافة مراحل النزاع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo;، وهذه النظرية اتسعت وتطورت مع دخول المحافظين الجدد شركاء في وضع وتنفيذ السياسات الأمريكية الجديدة في المنطقة، بدءا من حرب العراق، وهدم النظام السياسي الداخلي فيه، ليحل محله نظام طائفي متناحر، وفوضى داخلية، بحيث صار وضعاً ضعيفاً تفتته صراعات طائفية نتيجتها تمزيق النسيج الاجتماعي.

وسياسة الفوضى ليست اجتهادا نظرياً، لكنها تخطيط له أساس، وأول من صاغها تفصيليا مايكل ليدن، وهو من أبرز الخبراء ومن أهم خبراء ldquo;معهد أمريكان انتربرايزrdquo; الذي يعد قلعة الفكر السياسي للمحافظين الجدد، وكان قد وضع في البداية لنظريته تعبير التدمير الخلاق creative destruction.

وقد وصفت دراسات أمريكية ليدن بأنه من أهم الشخصيات التي لعبت دورا في صياغة استراتيجية الأمن القومي الجديدة لحكومة بوش والتي أعلنت في 20 سبتمبر/ أيلول 2002.

وكانت أفكار ليدن محط دراسات محللين أمريكيين أثناء رصدهم اتجاهات حكومة بوش منذ حرب العراق، نحو خلخلة الشرق الأوسط بما يخلق حالة من الفوضى التي تعاد من خلالها إعادة هيكلة أوضاع المنطقة من جديد.

لهذا فإن أكثر ما كنا نخشاه على لبنان، أن يدفع به إلى دائرة الفوضى الإقليمية، التي كانت قد وجدت بالفعل داخل العراق.

إن لبنان ليس بقعة معزولة عما حولها، سواء في الإطار الأقرب إقليميا، أو الإطار الأوسع دوليا، وأي صدام بين أبنائه في الشارع اللبناني، كان لابد من أن يكون رصيدا لحساب من هم خارج حدوده، أيا كانوا، وخصما من استقرار وخسارة له.

وتلك مسؤولية اللبنانيين مهما اختلفت اتجاهاتهم تجاه وطنهم، يتحملونها الآن ويحاسبون عليها أمام التاريخ.