سركيس نعوم


السؤال الذي يطرحه المجتمعان الدولي والاقليمي فضلا عن الاميركي هو هل سيغيّر الرئيس جورج بوش سياسته العراقية بعدما تسلم تقرير مجموعة بايكر ndash; هاميلتون وبعد ان ينهي مشاوراته مع القادة العراقيين وبعدما تسلم موقفا ايرانياً شفهياً من الجمهورية الاسلامية الايرانية نقله اليه حليفها الاول في العراق عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية واخيرا بعدما اطلعه بايكر على حصيلة لقائه شخصية ايرانية بإذن منه في اثناء العمل على التقرير المشهور؟

هذا السؤال لا يملك احد جوابا نهائياً عنه على الاقل حتى الآن. لكن عددا من المتابعين عن قرب للادارة الاميركية الحالية منذ قيامها والذين يتعاطف بعضهم معها يعتقدون ان الهم الاول عند الرئيس جورج بوش حاليا هو ماذا سيقول عنه التاريخ مستقبلا. اما التغييرات التي يتوقع كثيرون ان يدخلها على سياسته العراقية فقد تكون كلها quot;تكتيكيةquot;. ويعني ذلك في رأيهم امورا عدة ابرزها اثنان. الاول، ان بوش سيبقي القوات الاميركية في العراق سواء بعددها الحالي او بعدد اكبر او اقل حتى انتهاء ولايته. والثاني، انه سيسلم العراق بكل مشكلاته الى خلفه في البيت الابيض. طبعا، لا بد ان يتسبب له ذلك بمشكلات كثيرة مع الكونغرس بمجلسيه ومع الرأي العام الاميركي بل الشعب الاميركي. وسيكون على هذا الرئيس الجديد ان يخرج قوات بلاده من العراق استجابة لمطالب الغالبية الكونغرسية والشعبية في اميركا بأي طريقة كانت بما في ذلك الهزيمة اي الانسحاب وهي تجر اذيال الخيبة والفشل.

ما هي الآثار التي قد يرتبها انسحاب كهذا على الولايات المتحدة الدولة العظمى في عالم اليوم؟

الاثر الابرز لا بد ان يكون تراجع المكانة الدولية الاميركية وخفض التدخلات العسكرية الاميركية في العالم. الا ان ذلك ولاسباب محض اميركية لن يمنع الادارة الجديدة من مواصلة سياسة حماية حلفاء اميركا وخصوصا في منطقة الشرق الاوسط. وهذا يعني انها لن تتخلى عن الدفاع عن المملكة العربية السعودية ومصر ودول الخليج والاردن واسرائيل. لكنها ستفهم هؤلاء الحلفاء ان نجاحها في الدفاع عنهم يقتضي منهم ان يقوموا باكثر مما يقومون به حاليا. ويعني ذلك ان ما يتوقعه المتابعون انفسهم اقليميا ودوليا في ضوء كل المذكور اعلاه سيكون اولا اندلاع الحرب الاهلية والمذهبية في العراق في صورة رسمية وتصاعدها، ولاحقا انتشارها خارج العراق وذلك اذا لم يتمكن المعنيون في العراق والمنطقة من ايجاد حل قريب للوضع العراقي. وهذا الانتشار قد بدأ بدليل التطورات الخطيرة التي يشهدها لبنان منذ مدة والتطورات التي قد تشهدها دول خليجية عدة اخرى. وسيكون ثانيا اندلاع الحرب المذهبية بين المسلمين في كل العالم الاسلامي الذي كان يسمى ايام العز quot;دار الاسلامquot;.

وسيكون ثالثا اندلاع الحرب بين تركيا والاكراد ولا سيما منهم العراقيون. وسيكون رابعا استمرار الحرب بل تصاعدها بين اسرائيل والفلسطينيين. وسيكون خامسا احتمال اندلاع حرب بين اسرائيل وسوريا وربما بين الاولى ولبنان ايضا في حال نجح quot;حزب اللهquot; المدعوم سورياً وايرانياً في وضع اليد على لبنان بطريقة او باخرى. وسيكون سادسا احتمال اقدام الصين الشعبية على حل مشكلتها مع تايوان التي تعتبرها جزءا منها بالقوة. وسيكون سابعا مزيد من المشكلات في شبه الجزيرة الكورية بسبب التشدد الكبير الذي ابداه ولا يزال حاكم كوريا الشمالية وخصوصا في الموضوع النووي. وسيكون ثامناً واخيرا تزعزع النظام العالمي إذ ان اي دولة اخرى او مجموعة من الدول الكبرى طبعا لن يكون في امكانها اعادة فرض هذا النظام.

من سيكون المسؤول عن الوضع الاقليمي والدولي السيىء الذي قد يسود بعد الانسحاب quot;المذلquot; لاميركا من العراق؟

المتابعون العراقيون انفسهم يرمون هذه المسؤولية على الدول الكبرى وفي مقدمها حلفاء اميركا مثل فرنسا والمانيا ومنافسوها مثل روسيا الاتحادية والصين الشعبية وعدد من القوى الشرق الاوسطية المهمة. فهؤلاء نجحوا، بعد بروز اميركا القوة العظمى الوحيدة في العالم، في عرقلة الجهود الاميركية في اكثر من منطقة وخصوصا في العراق ومع ايران. لكنهم يضربون الآن اخماسا لأسداس كما يقال. ذلك ان انسحاب اميركا من العراق وخفض انخراطها في اكثر مشكلات العالم اهمية بدأ يقلق كل الدول والقوى المشار اليها اعلاه، ذلك انها بدأت تدرك ان العالم يحتاج الى قوة عظمى لتقود وتهز العصا في وجه الاطراف الذين يهددون الامن والسلام فيه. وهذا الامر يذكّر، يضيف المتابعون انفسهم، بما جرى بعد الحرب العالمية الاولى عندما رفض الكونغرس المصادقة على انضمام اميركا الى عصبة الامم فغابت عنها، وربما كان هذا الغياب احد اسباب الحرب العالمية الثانية واحد اسباب اشتراك اميركا فيها.

هل رمي المسؤولية على النحو الذي فعله المتابعون الاميركيون في محله؟

معظم حلفاء اميركا لا يعتبرونه كذلك وعلى العكس فانهم يحمّلون اميركا وتحديدا ادارة بوش مسؤولية مشكلات بلاده الحالية وتفاقم مشكلات العالم لانه اراد الانفراد في التقرير ليس عن بلاده فقط بل ايضا عن المجتمع الدولي وقواه الكبرى من دون اي تشاور معها ولانه رفض شراكة ارادتها، فاختلفت معه واوقع ذلك الجميع في المأزق الراهن وهو يدفع العالم لان يكون ربما للمرة الاولى بدون عصا غليظة او بدون شرطي.