السبت 16 ديسمبر2006

د. سعد بن طفلة العجمي

لا أزال من المنتقدين لبطء مجلس التعاون الخليجي في تنفيذ السياسات التي تعجل في التقارب الخليجي، وتسرع في تحقيق خطوات وحدوية أكثر من شأنها تحقيق الحلم الخليجي في الوحدة الكونفدرالية، فلا مكان في عالم اليوم للصغار، ولا فرص لنجاح العمل المنفرد في مواجهة الصعاب والتحديات التي تواجهها المنطقة، فالخلاص الوحيد هو بخلاص الجميع ككتلة واحدة، والوقت ليس في صالح السير quot;السلحفاتيquot; لمواكبة التطورات والتغيرات الإقليمية والدولية.

اكتمال الحضور على مستوى رؤساء الدول الخليجية في القمة التي عقدت في الرياض الأسبوع الماضي يعكس شعوراً بالمسؤولية من جهة، ويعكس إدراكاً لحساسية المرحلة، فلا مجال لحضور القمة على مستوى أدنى من مستوى الرؤساء كي لا يترك مستوى التمثيل مجالاً للتأويلات والتنظير، كما أن اكتمال الحضور على مستوى الرؤساء يعزز الدور الذي تقوم به المملكة العربية السعودية كدولة مضيفة، ولما للمملكة من دور محوري وإقليمي يعيه المراقبون.

لعل أهم ما ورد في القمة الخليجية السابعة والعشرين التي عقدت الأسبوع الماضي في الرياض، هو الإعلان عن بدء دراسة بناء المفاعلات النووية لأغراض سلمية، ومع تخوفي المستمر من المشاريع النووية في أي مكان في العالم، إلا أني أظن بأن هذه الخطوة تعتبر رسالة للعالم بأن دول المجلس غير عاجزة عن استقدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وبأنها قد ضاقت ذرعاً بتجاهل العالم لمطالبتها المستمرة بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وضرورة إخضاع إسرائيل للتوقيع على معاهدة الحد من الأسلحة النووية. المهم أن يخضع المشروع النووي الخليجي للمعايير الدولية ولإجراءات السلامة الدولية، وللتفتيش والرقابة الدوليين، من قبل وكالة الطاقة النووية.

من أهم ما استجد في القمة الخليجية أيضاً بناء العلاقة الجديدة بين الأمانة العامة للمجلس والمؤسسات الشعبية -المعيَّن منها والمنتخب، وهذه الخطوة سوف تفرض مستقبلاً بالضرورة برلماناً خليجياً طال انتظاره، ولطالما ردد المهتمون ضرورة المتابعة الشعبية التي تحاسب عدم تنفيذ القرارات التي تتخذها القمم، وتفعيل دور الهيئة الاستشارية إلى هيئة منتخبة ذات فعالية في المتابعة والمحاسبة.

ولعل أهم رسالة أوصلتها القمة الخليجية الأسبوع الماضي، هي أننا في الخليج نتسامى فوق خلافاتنا الخليجية- الخليجية quot;لا حجت حجايجهاquot;- أي حين تشتد، وقد ترجمت هذه الحقيقة التمديد للسيد عبدالرحمن العطية أميناً عاماً لمجلس التعاون الخليجي على غير ما جرت العادة وفي توقيت مبكر جداً، فالأمين العام يشغر منصبه عادة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد -وليس التمديد- لمدة مماثلة مرة واحدة، وقد كان عبدالله بشاره أول أمين للمجلس استثناء بسبب استثنائية الظروف حيث خدم اثنتي عشرة سنة. كما أن التمديد للسيد العطية يبدأ اعتباراً من أبريل 2008، وكان المتوقع أن تطرح مسألة التمديد من عدمه في القمة القادمة المقررة في مسقط العام القادم. ولكن التمديد حمل معاني كثيرة، وأوصل رسالة لبعض المرتزقة مفادها عدم التفكير بالاسترزاق على حساب الخلاف السعودي- القطري، فقد أخطأ من ظن أن شتم السعودية يفرح قطر، أو أن الردح ضد قطر يسعد السعوديين، ولقد جاء التمديد للسيد العطية ليترجم حقيقة التعامل الخليجي مع الخلاف داخل البيت الخليجي. صحيح أن السيد العطية دبلوماسي مخضرم أدى عمله بمهنية وقدرة نادرة، ولكن هذه لم تكن لتكفي للتمديد له لو لم يكن مقصوداً إيصال رسالة التلاحم الخليجي الذي يتجاوز الخلافات وقت الشدائد والأزمات.

نتمنى ألا تكون قرارات القمة هذه كبعض القرارات في قمم سابقة لم يتم تنفيذها ومتابعتها.