السبت 16 ديسمبر2006

إيلين سيولينو

كان يفترض بالمؤتمر الذي رعاه quot;نيكولا ساركوزيquot;، وزير الداخلية الفرنسي، الذي يتطلع إلى الوصول إلى سدة الرئاسة أن يكون يوماً للمصالحة، عله يتخلص من الصورة التي طاردته طويلاً وجعلت منه عدواً للأقليات العربية والأفريقية التي تعيش في فرنسا. لكن ما أن بدأت أشغال المؤتمر في القاعة المخملية التي استضافت المشاركين يوم الأربعاء الماضي، حتى تعرض ساركوزي لانتقادات لاذعة. quot;مالك مرومياquot;، فرنسي من أصول عربية ورجل أعمال ناجح يقول في هذا الصدد: quot;عندما ينعت الوزير الناس بـquot;الحثالةquot;، فإن ذلك لا يساعد أبداً، لأننا لا نملك سوى أن نفترض بأننا نحن المعنيون ولا أحد غيرناquot;، مضيفاً: quot;إن ما قام به ساركوزي تسبب في انقسام داخل فرنسا، بحيث أصبح الانطباع السائد هو وجود فرنسا الضواحي وفرنسا الأخرىquot;. وقد أثار وصف quot;ساركوزيquot; للشباب الذين تورطوا في أعمال الشغب التي شهدتها فرنسا في وقت سابق من العام الماضي بـquot;الحثالةquot; حالة من الغضب لدى العديد من الفرنسيين، لاسيما في الضواحي. وتفاقمت الأمور أكثر عندما أعلن quot;ساركوزيquot; عند تعامله مع أعمال الشعب بأنه لن يتسامح أبداً مع الجريمة في إشارة إلى الشباب المشاركين في المظاهرات العنيفة.

وليس غريباً أن تنعكس مواقف quot;ساركوزيquot; وتصريحاته القاسية ضد ذوي الأصول العربية والأفريقية على صورته لدى الرأي العام الفرنسي، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة quot;سيفيبوفquot; أن 49% من الفرنسيين المستجوبين عبروا عن خوفهم من وزير الداخلية الفرنسي. وفي الأسبوع الماضي امتنع quot;ساركوزيquot; عن الظهور في حفل عشاء نظم في باريس، وجمع أكثر من 300 مشارك من أصول عربية وأفريقية، حيث انتدب أحد كبار مساعديه لتلبية الدعوة خوفاً من تعرضه للانتقادات. غير أن quot;ساركوزيquot; التواق إلى دخول قصر الإيليزيه، مقر الرئاسة الفرنسية، بدأ يخفف من لهجته ضد الأقليات الإثنية، واتجه إلى التركيز في خطابه على القضايا الأساسية التي تشغل الناخبين من ذوي الأصول العربية والأفريقية مثل تكافؤ الفرص والحصول على وظائف، وذلك في مسعى لتغيير الصورة السلبية وإعادة تشكيل أخرى تظهر قدرته على مد يد المصالحة مع الفئات المختلفة للمجتمع الفرنسي واسترجاع الود المفقود.

وفي هذا الإطار ألقى quot;ساركوزيquot; خطاباً في المؤتمر الذي حضره أمام مئات المشاركين من الشباب قائلاً: quot;إنني لن أخيب آمالكم، فهذا اليوم لن يكون له معنى دون مستقبل واعد لكمquot;. وتأكيداً على تأييده للتمييز الإيجابي الذي يمنح أبناء الأقليات بعض الامتيازات فيما يتعلق بالتعليم والتوظيف أضاف quot;ساركوزيquot; على هامش المؤتمر الذي شارك فيه مخاطباً الشباب: quot;إنكم فرنسيون مثلكم مثل الآخرين، لكننا واعون بالتحديات التي تواجهكم، لذا علينا مساعدتكم أكثر من الآخرينquot;. ورغم أن quot;ساركوزيquot; هو راعي المؤتمر، فإنه لم يستمر اليوم كله الذي دامه، وعندما انتهى من إلقاء خطابه امتنع عن تلقي أسئلة الحضور، مفضلاً تجنب الانتقادات التي لم تكن لتغيب عن اجتماع يضم أبناء الأقلية العربية والأفريقية. يُشار إلى أن هذا المؤتمر لا يندرج في سياق الحملة الانتخابية لساركوزي الذي لم ينل بعد تزكية حزبه quot;الاتحاد من أجل الحركة الشعبيةquot;، رغم أنه من المتوقع أن يرشحه الحزب خلال الشهر المقبل.

وباقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي لم تعد تفصلنا عنها سوى أربعة أشهر يسعى quot;ساركوزيquot; وباقي المرشحين الرئيسيين الذين سيخوضون الانتخابات الرئاسية إلى استمالة الأقليات الإثنية الفرنسية التي تعاني من التهميش وتعيش أوضاعاً سيئة. ولعل أحد الأهداف الأساسية التي يسعى المتنافسون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية إلى تحقيقها هي إقناع الفرنسيين من أصول عربية وأفريقية بالمشاركة الكثيفة في الاقتراع والإدلاء بأصواتهم. لكن يبقى الهدف الآخر هو إقناع الناخبين الفرنسيين عموماً بأن الهوة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تقسم الفرنسيين يمكن جسرها وبناء مستقبل أفضل لجميع الفرنسيين. وفي هذا السياق يقول quot;فينسو تيبرجيquot;، وهو عالم اجتماع quot;قبل خمس سنوات لم تكن الهجرة والاندماج جزءاً من الحملات الانتخابية للأحزاب الرئيسية، لكن هذه المرة يطرح الفرنسيون تساؤلات حول إخفاق الاندماج ومدى قدرة فرنسا على استيعاب المزيد من الأجانبquot;. وإذا كان موضوع الانفتاح على الإثنيات الأخرى في المجتمع الفرنسي برز كقضية أساسية في الخطاب السياسي لمرشحة الحزب الاشتراكي quot;سيجولين رويالquot;، فقد كان حاضراً أيضاً في أجندة quot;جان ماري لوبانquot;، زعيم quot;الجبهة الوطنيةquot; ذات التوجه quot;اليمينيquot; المتطرف، حيث أشارت آخر استطلاعات الرأي إلى أنه يحظى بنسبة تأييد تصل إلى 17% من المستطلعة آراؤهم.

ففي يوم الاثنين الماضي استخدم quot;لوبانquot; لوحة إعلانية تسعى إلى حشد تأييد الناخبين من أصول عربية وأفريقية عبر فيها عن انتقاده الشديد لسياسة الإدماج التي أثبتت فشل المؤسسة السياسية القائمة في معالجة القضايا المرتبطة بالهجرة. وفي لوحة إعلانية أخرى تظهر امرأة أفريقية بشعرها الطويل، وهي ترفع إبهامها مقلوباً في إشارة إلى فشل الحكومات السابقة في معالجة مشاكل الأقليات، وفي الصورة أيضاً يظهر شعار يقول quot;اليمين واليسار كلاهما أفسد كل شيءquot;. وأثناء خطاب ألقاه quot;جان ماري لوبانquot; في شهر سبتمبر الماضي حث زعيم حزب quot;الجبهة الوطنيةquot; اليميني quot;الشعب الفرنسي من أصول أجنبيةquot; إلى الانضمام إلى حزبه، وهي أول مرة يوجه فيها quot;لوبانquot; دعوته إلى الأقليات. ويبرز هذا التسابق بين السياسيين الفرنسيين على استمالة الناخبين من أصول عربية أو أفريقية واستعدادهم لتغيير خطابهم الانتخابي التقليدي المعادي للأجانب كما هو عليه الحال بالنسبة لـquot;جان ماري لوبانquot; المكانة المهمة التي باتت تحظى بها تلك الأقليات في الساحة السياسية الفرنسية ودورها المؤثر في تحديد نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة.

مراسلة quot;نيويورك تايمزquot; في باريس

الإتحاد