الأربعاء 20 ديسمبر2006
عادل سعد
لا شك في أن الذين تابعوا عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية وهو يتحدث في بيروت عن الأزمة اللبنانية قد لاحظوا مدى الجهد الذي يبذله لاختيار بعض المفردات من أجل إيصال ما يدور بذهنه عن هذه الأزمة على الرغم من أنه يمتلك العديد من الأدوات الدبلوماسية الراجحة وله القدرة على المرور بامتياز في طرق مزدحمة بالأسلاك السياسية الشائكة وهكذا فإن أمر الأمين العام لجامعة الدول العربية يبدو محرجاً حقاً وهو يتعاطى في قضية شائكة من هذا النوع تتداخل فيها الكثير من الشكوك والضغوط والشخصنة .
لقد ظهر واضحاً أن عمرو موسى يشعر بغصة ما، إزاء الوضع العربي العام وهذا حال ليس سراً قياساً بالتداعيات التي تشهدها منظومة العمل العربي المشترك وقياساً بحالة الإحباط من إمكانية حصول انتعاش حقيقي في العلاقات العربية ـ العربية وهو أمر لافت أثارته تصريحات مسؤولين عرب مما انعكس على أداء جامعة الدول العربية بحالة من الوجع السياسي والتنظيمي الذي يمتد تأثيره في مساحة واسعة من الحياة السياسية العربية ولهذا كانت الخشية هي المصاحبة لمفردات موسى من انخفاض جديد في سقف الآمال العربية بوجود جامعة الدول العربية تواصلاً مع الأزمة اللبنانية ذات المجسات المتشابكة.
وقد يكون وراء ذلك الموقف الذي يحرك عمرو موسى أن شعوراً بإمكانية أن يحقق بعض النجاح ليكون فألاً حسناً تختتم به جامعة الدول العربية عام 2006 ليتحول إلى (زلزال) من النجاح الذي تحتاج إليه هذه الجامعة بعد سنوات طويلة من التراجع في المشروع العربي على الصعيد الوطني لبعض الدول العربية.
وهناك موقف آخر ربما كان وراء حرج أمين عام جامعة الدول العربية وصعوبة ما هو فيه بشأن الملف اللبناني، أن موسى وجد أكواماً من الرمال السياسية المتحركة في المشهد اللبناني ولهذا تحرك تحت تأثير التوجس أن يغوص في اجتهاد يفقده شرعية المواظبة على هذه الوساطة وصولاً إلى الحل الذي يرضي الجميع ويعيد التوتر بين الأطراف اللبنانية إلى نقطة الصفر .
والحال أن الشعار الذي رفعه موسى (لا غالب ولا مغلوب) في النتيجة النهائية للأزمة اللبنانية هو في حقيقة الأمر أصعب من أي شعار آخر لأسباب تتعلق بآلية تنفيذه، وإيجاد المعادل النفسي له ضمن آليات هذا الطرف اللبناني أو ذاك، فالمعارضة تريد أن تدفع لمناصريها عنوانا يكون معادلاً لما بذلته جماهيرها خلال الأيام الماضية من التظاهر والاعتصام مع أن مطالبها تغيرت في الأيام الأخيرة تأسيساً على ما قاله زعيم التيار الحر العماد ميشيل عون عندما أشار إلى أن حركة التظاهر والاحتجاج قد تتطور إلى صيغ ميدانية أشد تأثيراً، ثم إن جامعة الدول العربية واقعة في مرمى النيران السياسية الإقليمية والدولية الآن إذا أخذنا بنظر المراجعة المواقف المتناقضة في الرأي داخل المجموعة العربية وأخذنا بنظر الاعتبار طول (الأصابع) الإقليمية والدولية في لبنان، فكيف يصار للجامعة العربية أن تفلت من استحقاقات هذه التأثيرات إن لم يكن عمرو موسى قد اختار ما اختاره من جمل وتعبيرات لا تغيظ أحداً وفي الوقت نفسه لا تؤلب أحداً على آخر مع ملاحظة أخرى أن المناخ السياسي اللبناني قابل للاشتعال من خلال مفردات التخويف والتخوين ونقص الثقة وهي مفردات تحكم الوضع اللبناني بالمزيد من الشد السياسي والأمني .
وليس بعيداً عن ذلك أن الإسرائيليين يريدون أن يعتاشوا كثيراً على المتناقضات اللبنانية-اللبنانية ، كما أنهم ينظرون إلى عمرو موسى بالمزيد من الشكوك والرفض لطروحاته منذ أن تولى شؤون الجامعة خلفاً لعصمت عبد المجيد وقد تكرس هذا الموقف الإسرائيلي الرافض لكل طروحات موسى عندما أعلن أمين عام جامعة الدول العربية في وقت سابق من العام الجاري موت العملية السلمية بسبب التعنت الإسرائيلي .
وهكذا يبدو عمرو موسى مثقلاً كثيراً ولم تستطع ابتساماته المعروفة مع الصحفيين وتندره الجميل من إخفاء حزمة أحزان ومرارة تزدحم في ضميره المهني كونه مسؤولاً ينتظر منه الجميع إطلالة منعشة لبعض الأوضاع العربية في إطار السؤال الاستدراكي الآتي ، أليس هو الأمين العام لجامعة الدول العربية!!؟
كاتب عراقي
[email protected]
التعليقات