جمال البنـّا


في النصف الثاني من شهر نوفمبر عام 2006م، نشبت في مصر معركة حامية لم تكن مع الفقر والجهل والمرض، ولم تكن مع الفساد المستشري، ولا ضد الوحشية الإسرائيلية، ولكن حول الحجاب!!

قبل أن تنشب المعركة كانت هناك مناوشات هي المناوشات المألوفة ما بين أنصار الحجاب وأعدائه، وهي مناوشات ظلت مئة عام، منذ أن نشر قاسم أمين كتابه تحرير المرأة سنة 1899م، وقد كان آخر مظهر لها قبل قيام المعركة ما نشرته الأهرام للدكتور أحمد عمر هاشم رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب وعضو مجلس البحوث الإسلامية بالأزهر تحت عنوان قول فصل في الحوار حول فرضية الحجاب، جاء فيها: فالحجاب علي هذا النحو (كشف الوجه والكفين) بنص القرآن فريضة ويجب علي كل امرأة أن تتحجب، ومن لم تتحجب تكن مخالفة بنص القرآن، ورد علي الذين يرون أن الحجاب إنما نزل لنساء الرسول خاصة برد منطقي هو أنه إذا كان قد فرض علي نساء الرسول فيفترض إن بقية النساء أولي به، فضلاً عن أن الآية (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَي أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب: 59 ، وكذلك (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور: 31 ، لا تخصص أحدًا وإنما كان الأمر عامًا.

ومع أن كلام الشيخ قابل للنقاش، بل نوقش وفند، فإن صدوره من شخصية تجمع ما بين الحكومة والأزهر، ورنة التأكيد جعلته يبدو كما لو كان أمرًا بديهيًا، وأنه قول فصل كما عنونت الكلمة.

لم يكن من الكياسة أن يعلن وزير الثقافة عن رأي يخالف ذلك تمامًا، وفيه شيء من السخرية، ولكن فاروق حسني فنان يهيم في أودية الخيال والجمال، فهو في عالم آخر، ومن ثم أدلي بتصريحاته وغمز بعض العلماء، ولم يبال أن تنشر كلماته، وقد كانت حديثًا خاصًا مع إحدي المحجبات، ولكن لم تكد تنشر في المصري اليوم وهي أوسع الصحف اليومية انتشارًا حتي بدأت نذر المعركة، وفجأة وبصفة لا يمكن القطع أنها تلقائية أو مدبرة ثار نواب الإخوان المسلمين في مجلس الشعب ثورة مضرية جذبت من شدتها نواباً من الحزب الحاكم، بل و عتاولته منهم بالطبع مفتي الحجاب د. أحمد عمر هاشم، ورئيس المجلس د. سرور، وأعلنوها شعواء علي فاروق حسني المسكين الذي لم يكن يتوقع شيئًا من هذا، ومع أنه أكد أنه يحترم المحجبات، فلم تغن هذه عنه شيئًا وأقامت الفنانات المعتزلات صلاة الحاجة وطالبت بإقالة الوزير، وتوالي ظهور مجموعات كثيفة من المحجبات يحملن لافتات بأن الحجاب فريضة كالصلاة والصيام و إلا حجابي و حجابي عزي ووقاري ، بينما ارتفعت بعض الصيحات الطبال الزمار يعرف إيه عن الخمار ، ولم تقتصر مظاهرات المحجبات علي القاهرة، بل شملت الإسكندرية وطنطا وكفر الشيخ والزقازيق.

وكتب الدكتور عبد المعطي بيومي، وهو الذي يأتي بعد د. عمر هاشم في الإيمان بقضية الحجاب، مقالاً نشر في المصري اليوم (30/11/2006م) تحت عنوان رسالة إلي قبيلة المثقفين قال فيه: إن كل المفكرين باستثناء ثلاثة من الهواة هم المستشار العشماوي والسيد جمال البنا والسيدة إقبال بركة، وتعطف وتنازل بأن يعرف هؤلاء الهواة فقدم قطعة من الفقه المضنون به علي غير أهله، فقال: ومما أقره القرآن وزاد عليه الخمار (غطاء الرأس) فأمر سبحانه وتعالي بأن يشمل غطاء الرأس فتحة الصدر أيضًا، بحيث تضرب المرأة غطاء رأسها علي فتحة صدرها فتغطيه بخمارها، والذين عرفوا قواعد المنهج في التشريع الإسلامي يعرفون أنه إذا أقر الله أو رسوله أمراً صار واجباً لأنه بإقراره دل علي وجوبه وكذلك سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ما أقره الرسول صلي الله عليه وسلم بقول أو فعل أو تقرير، فما بالنا إذا كان النص القرآني أقر بغطاء الرأس (الخمار) وأمر بلام التأكيد، بألا يكتفي بغطاء الرأس فقط بل ليشمل الخمار، ولا يسمي خماراً إلا إذا غطي الرأس.

فالهواة الذين يهوون الخوض في الدراسات الإسلامية ولا يعلمون منهج التشريع الإسلامي في أن الإقرار - حتي بالصمت - يجعله أمراً تشريعياً فإذا سكت الرسول عن أمر حدث أمامه صار سكوته تشريعاً .

إن الدكتور عبد المعطي بيومي لم يقف عند إيراد التفسيرات التقليدية لآيات الحجاب، ولكنه هنا أراد أن يجعل من الخمار تشريعًا قرآنيًا، وبالتالي يكون علي كل امرأة مسلمة في العالم أجمع أن تضع هذا الخمار، وأن تلبس كما كانت المرأة العربية في الجاهلية، فدفع القضية دفعة إلي الأمام.

وجاء في الأهرام في 3-12-2006م، في خطوة تتسم بالإيجابية تجاه فوضي الفتاوي والمتطفلين عليها من الهواة وغير المختصين الذين ازدحمت بهم شاشات الفضائيات، وصفحات الجرائد، قرر مجمع البحوث الإسلامية مخاطبة وزير الإعلام بالضوابط الواجب مراعاتها في العمل الإعلامي بجميع صوره المقروءة، والمسموعة، والمرئية تجاه القضايا الدينية وعلي الأخص ما يتعلق بأمور الحلال والحرام.

الضوابط المعدة من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية كانت ثمرة مناقشة جلسته الأخيرة المنعقدة برئاسة فضيلة الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر التي تم خلالها استعراض توصيات لجنة البحوث الفقهية بالمجمع التي ناقشت الموضوع تحت عنوان من يختص بإصدار الفتوي الشرعية .

علماء المجمع حذروا من خطورة استعانة وسائل الإعلام وأجهزتها بمن سموهم أدعياء الفتوي .

واستقروا علي ضرورة ألا تستضيف البرامج الدينية إلا المتخصصين في الشريعة الإسلامية، خاصة علوم الفقه الإسلامي، وأن يلتزم كل عالم بالتحدث في إطار تخصصه العلمي من عقيدة أو حديث، وتكون الأسئلة الموجهة له مراعية لذلك.

واستثني مجمع البحوث الإسلامية مجال الوعظ والإرشاد من شرط التخصص الدقيق، واعتبره مجالاً مفتوحًا لأي من علماء الدين .

علي أن أشد المعارك احتدامًا كانت علي شاشات الإنترنت، وأهمية الإنترنت أنها تستقطب رجل الشارع وتكشف عن تلقائيته وثقافته واتجاهاته والعوامل المسيطرة عليه وتكاد تكون كلها صدي للثقافة السلفية التي استطاع الشيوخ إرساءها في الرأي العام، ومن أمثلة ذلك ما قام به أحد الكتاب، عن تقديم أربعين تفسيرًا من القرآن الكريم للنقاب، وذكر هؤلاء المفسرون عن ابن عباس حتي الشيخ طنطاوي، فقال في مقدمة بحثه إن كل الأئمة كلامهم يدور حول الاستحباب أو الوجوب، ولم نر واحدًا من أهل العلم قال بما يدعيه المتجرئون من أن النقاب بدعة أو محرم أو مكروه ، وفات هذا الرجل الطيب أن الأربعين مفسرًا إنما ينقلون جميعًا رأي ابن عباس، فهم في الحقيقة مفسر واحد يري أن الحجاب هو غطاء الشعر والوجه وإن حدث خلاف فهو في العين التي تترك دون حجاب، هل هي اليمني أو اليسري ؟ والأغلبية تفضل اليسري!!

وكان من أطرف ما جاء في تعليق أحد قراء الإنترنت أن الفتنة ما بين الرجال والنساء جاءت في القرآن الكريم لا كفتنة الرجال للنساء كما يتصور ذلك، ولكن كفتنة النساء بالرجال، كما هو في حالة يوسف وامرأة فرعون، ولو جاز القياس، لكان الرجال أولي من النساء بأن يضعوا الحجاب حتي لا يفتنوا النساء.

وكتب أحدهم أن الحجاب يمثل جانبًا من الأمن القومي، وعندما قال أحد القراء لا أدري ما هي العلاقة بين ستر جسد المرأة وستر الأمن القومي تصدي له ثالث فكتب تحت عنوان حديث في موضوع الحجاب نظرة تاريخية وعلاقات ارتباطية تساءل الكاتب الصحافي الإسلامي محمود سلطان بجريدة المصريون عن العلاقة بين عفة المرأة بستر جسدها وسلامة الوطن بستر وحماية أمنه القومي، وجاء في قوله: لا أدري ماهية العلاقة بين ستر جسد المرأة وستر الأمن القومي ؟؟، لا أملك دليلاً علميًا علي تلك العلاقة، ولكننا نحتفظ بتراث تاريخي كبير يؤكد وجود تلك العلاقة ولعله دليل تجريبي Empirical المستمد من التاريخ القديم والمعاصر، فالفجور من السفور، وجهد البلاء وآيات الفناء في سقوط برقع الحياء، والإنسان بيولوجيا هو فصيل من الحيوان لا يميزه عن الكلاب والخنازير والأنعام إلا ستر ما يثير الغرائز والشهوات، وكم من أمم فنيت وتلاشت لفجور نسائها وعنت رجالها وضياع أنسابها، فالفتاة الغربية تُنتقد إن سترت عفتها أو احتفظت ببكارتها فهذا معناه أنها قبيحة وليست مليحة، ينفرها الخاصة وينقدها العامة، ناسين متناسين أنها بسفورها وشيوعها تتحول لمراحيض عامة، والستر بالعموم هو الحفظ للوقاية ولا يكون إلا للأشياء الثمينة عالية القيمة، أما السفور والتبرج فلا يكونا إلا لإعلان المتفرج كلحوم الخراف وأفخاذ الأبقار المعلقة في حانوت جزار. والستر هو الدليل الظاهر للعفة والاحتشام .

وقال آخر يا جماعة الحجاب ده أمر رباني من الله وفريضة شرعية مثل الصوم والحج والصلاة هذا من ناحية، ومن الناحية الأخري عفة وحفظ لكرامة المرأة، فيجب علينا أن نقول سمعنا وأطعنا .

وتساءلت إحدي السيدات باللغة الإنجليزية هل تكون السيدة التي لا تضع الحجاب ملعونة من الله؟ ، وجاء الرد بالعربية: حدد الشرع الأجزاء التي تظهر من جسم المرأة، وما عدا ذلك هو عورة يجب سترها، وعقوبة ترك الحجاب هي عقوبة كشف العورة، وهي اللعن من الله والملائكة والعياذ بالله !

ووجه الأستاذ جمال سلطان نقدًا لاذعًا للدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف لأنه افترض نفسه مفتي الجمهورية فراح يهاجم النقاب ويفتي في قضية معتبرًا أنه ليس من الإسلام، بل هو إساءة للإسلام، رغم أنه تخصص فلسفة ولا شأن له بالفقه إلا كطالب أو سائل أو مستفتي، وليست المشكلة أنه يقول رأيه ويمضي، بل في تسفيهه آراء الآخرين، وهم علماء وفقهاء لهم ضلوعهم في الفقه وعلوم الشريعة بما يفوق زقزوق بكثير!! نقول أننا من كثرة ما سمعناه وقرأناه عن تخصص دقيق، لا يجوز لأحد إلا أن يفتي إلا فيه، توقعنا أن يكون هناك تخصص حجاب هو وحده الذي يحق لأصحابه الحديث عن الحجاب.

ويهاجم الأستاذ جمال سلطان الأستاذ سلامة أحمد سلامة لأنه انتقد النقاب واعتبر أنه يعوق المرأة عن المشاركة واقتحام مهن مرموقة مثل الطب والهندسة والتعليم وغيرها، ففي مصر يعملون في جميع المهن التي يتصور أنهن محرومات منها، فهناك آلاف الطبيبات المنقبات وآلاف المعلمات المنقبات وآلاف المحاسبات المنقبات، بل إن الإحصائية الاجتماعية التي يتحدث عنها سيجد منهم منقبات، وأظن أنه لو علم ذلك لراجع نفسه وتواضع للحقيقة وللتحولات الاجتماعية الحالية، كما أنه لو استقصي الأمر اجتماعيًا لوجد انتشار النقاب في جميع الأوساط الاجتماعية وجميع الشرائح، بما فيها نخبة المجتمع المخملي ذاته .

وفي رد محرر الموقع الإليكتروني علي تساؤل سيدة تدعي ندي القصاص قال:

الحجاب هو فريضة شرعية بالتأكيد لا يسع مسلمًا يؤمن بالله ورسوله أن ينكرها وهو قضية ليست محل خلاف بين أحد من علماء الأمة، أما من تريد أن لا تتحجب فهي بالتأكيد إن كانت مسلمة فهي مقصرة في حق دينها .

طبعًا كل من يري الحجاب تخلفًا هو مارق من العقيدة، فهناك فرق في الشريعة بين التقصير في فعل الواجبات والفروض الشرعية فكلنا نقصر، وكلنا في حاجة لمغفرة الله، وأما إنكار الواجبات والفروض المعلومة من الدين بالضرورة ومنها الحجاب فهذا خروج عن الدين وهذه ليست فتوي، ولكنها قاعدة معلومة عند العلماء وطلاب العلم.

وكتب أسامة رشدي تحت عنوان أبو جهل الثقافة ونظام الصفاقة :

أسوأ ما في هذه الحفنة المارقة عن عقيدة الأمة وعن ثقافتها وجذورها الحقيقية ممن دافعوا عن أبو جهل الثقافة وسوغوا تصريحاته ؛ زعموا أن تلك التصريحات هي من باب حرية الرأي والتعبير، وهو عذر أقبح من الذنب، وهي نفس الحجة التي رفضها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها عندما تمت الإساءة للرسول صلي الله عليه وسلم في الغرب سواء بالرسوم الكاريكاتورية أو ببعض المقولات والمقالات الحاقدة بزعم حرية التعبير أيضًا!!

والطامة الكبري أن هذه الحفنة ومعظمهم من قدامي اليساريين الذين لا يقيمون للدين وزنا ولا يقفون عند رأي عالم أو متخصص أو مجمع فقهي ؛ حاولوا خداع الرأي العام وبعض القوي السياسية الأخري بتسييسهم القضية باعتبار أن موقفهم في دعم الوزير جاءت للتصدي للإخوان ولطيور الظلام كما زعموا ، وكأن الإسلام نزل علي حسن البنا، وأن الإخوان هم من فرضوا الحجاب علي المسلمات ؟ وأن ملايين المحجبات في قارات العالم الخمس هم من الإخوان المسلمين ؟ يا لها من سذاجةّّ وسخافة!!

أما نظامنا - كعادته - فقد عالج القضية بنفس الطريقة التي يعالج بها أي قضية تتعلق بالإساءة للإسلام، فالنظام سرعان ما اصطف خلف الوزير المسنود .

وردًا علي مداخلة تتحدث عن الحرية في الرأي والزي.. الخ، رد محرر الموقع: لقد فهمت وجهة نظر حضرتك، وأنا أتفق مع حرية الرأي - ولكن أضيف - بما لا يمس الثوابت المتعلقة بمعتقدات الشعب مسلمين ومسيحيين، فكل أمة لديها من الثوابت التي لا تقبل ازدرائها أو المساس بها، خاصة إن ابتعد الأمر عن النقاش العلمي والجدال الموضوعي، ولا تعتقدي أن ما تسمعين عنه من الحريات هنا مثلاً في بلاد الغرب أنها بلا حدود .

وورد أحد كتاب موقع مرسال ردًا علي أحد المتسائلين: إن حجاب المرأة المسلمة فرض علي كل من بلغت سن التكليف وهي السن التي تري فيه الأنثي الحيض، وهذا الحكم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة فرضية الحجاب أجمع عليها المسلمون سلفا وخلفا، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، وأنه لا يعد من قبيل العلامات التي تميز المسلمين عن غيرهم فحسب بل هو من قبيل الفرض اللازم الذي هو جزء من الدين.

إن المسلم المعاصر ليس مبتور العلاقة بماضيه، وليس فرعا من شجرة ميتة حتي يبحث في قضية شرعية من الصفر وكأنها ما مرت بفكر من سبقه من المسلمين طيلة خمسة عشر قرنا من الزمان.

فعلي المسلم إذا أراد أن يعرف حكم الحجاب شرعا أن يبحث عن آراء العلماء طوال هذه القرون المديدة ليستنير بفكرهم، ويسترشد بآرائهم ليكون علي بصيرة، أما أن يقتحم هو لجة الاجتهاد ضاربا الصفح عن جهود سلفه فيكون قد ضل السبيل.

وذلك ليس من الأمور المستحسنة فقط، بل هو من الأمور الواجبة، ذلك أن الله عز وجل قال: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَي وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّي وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ، وقد أخذ العلماء من هذه الآية أمرًا مهما لا يسع مسلما صغر أم كبر جهله، ألا وهو أن ما أجمع عليه فقهاء المسلمين فهو أمر واجب علي المسلمين أن يعلموه ويعملوا به، ومن خرج عن هذا الإجماع فكأنما رد حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم، وكفي بما ذكرته الآية من عقاب جزاء ومصيرًا.

وإذا قلبنا صفحات التاريخ نسائله عن آراء مجتهدينا وفقهائنا فإننا سنري فيه حقيقة واضحة جلية... ألا وهي أن جميع الفقهاء المجتهدين طيلة خمسة عشر قرنا من الزمان قالوا بأنه علي المرأة أن تغطي جميع جسمها سوي الوجه والكفين وإلا فهي مخالفة لأمر ربها معاندة له تتقحم النار علي بصيرة، بل ذهب من ذهب من الفقهاء إلي أن هذا القدر لا يكفي وأوجب علي المرأة أن تستر الوجه والكفين أيضًا، ولكن الجمهور علي أن ستر ما دون الوجه والكفين مجزئ وكاف.

كما عرض الموقع آراء بعض الباحثين وجاء في إحداها: أن أبي بكر بن الحارث قال: المرأة كلها عورة حتي ظفرها .

وفي النهاية أورد المحرر عرضًا لعدد من الفتاوي نجتريء منها بفتوي دار الإفتاء:

إن حجاب المرأة المسلمة فرض علي كل من بلغت سن التكليف، وهي السن التي تري فيه الأنثي الحيض، وهذا الحكم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالي: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ (الأحزاب: 59)، وقال تعالي أيضًا: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَي جُيُوبِهِنَّ (النور: 31)، وأما الحديث فيقول النبي: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يري منها إلا هذا وهذا ، وأشار إلي وجهه وكفيه (رواه أبو داود).

وهذا إجماع المسلمين سلفًا وخلفًا، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، وهذا لا يعد من قبيل الفرض اللازم الذي هو جزء من الدين، ومما سبق يعلم الجواب بالسؤال انتهي.

هذه مقتطفات سريعة من صحائف عديدة لو جمعت لكانت كتابًا ضخمًا، ولكنها لا تختلف عما أوردناه، فكلها تقول إن الحجاب فرض بحكم القرآن والسُنة والإجماع، وكلها تفسر الآيات طبقًا لما وضعه ابن عباس وأمثاله، وكلها تري فيمن يدرس أو يناقش أو أن يلجأ إلي الفقهاء المختصين، وما من واحد لاحظ أن تعبيرات القرآن لا تتضمن بالضرورة الخمار أو النقاب، ومن يبدي مثل هذه الملاحظة يعد مارقًا أو جاهلاً.