أحمد الربعي
مع التصعيد الإيراني للأزمة النووية تذكرت تلك القصة المعروفة التي تقول إن احد المحللين السياسيين كتب بحثا عن حتمية انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وكان أن رد عليه الكثيرون متسائلين ألم تشاهد الاستعراضات العسكرية الضخمة في الساحة الحمراء بموسكو ؟ ألا تشاهد الصواريخ العابرة للقارات، ألا تعلم كم رأسا نوويا يمتلك الاتحاد السوفييتي ؟ كيف يمكن أن تنهار قارة بهذه القوة العسكرية وبوجود حزب حديدي يحكمها.
كان جواب المحلل السياسي بسيطا.. نعم اعرف كل ما تقولونه، لقد ذهبت إلى موسكو ورأيت طوابير الجنود والضباط وعرفت تفاصيل القوة العسكرية الضخمة، ولكن هذا كله لا علاقة له بتوقعاتي لانهيار الاتحاد السوفييتي. لقد تأكدت من المستقبل المظلم لهذه الدولة العظيمة عندما رأيت الطوابير الطويلة للروس تقف ساعات من اجل الحصول على رغيف خبز أو قطعة لحم ؟!
التصعيد الإيراني الجديد والعنيف ضد المجتمع الدولي، وقول احمدي نجاد إن قرارات مجلس الأمن حبر على ورق ، وان إيران ستنتصر على أميركا وإسرائيل، يدل على مشكلة حقيقية في طهران ! وهي مزيج من الجهل بأوضاع المجتمع الدولي، والجهل بالوضع الداخلي الإيراني، والاعتقاد الخاطئ بقوة وهمية لإيران، وقراءة آيديولوجية دينية بحتة لا علاقة لها بالعلاقات الدولية ولا بموازين القوى!
الذي تفعله إيران فعله الكثيرون. العقيد القذافي تحدى المجتمع الدولي واعتقد أن كتابه الأخضر سيسود العالم، وانفق الملايين على الجماعات الإرهابية من آيرلندا إلى الفلبين، وكانت النتيجة أن استسلم طوعا وشحن لأمريكا كل صواريخه الكورية وأعطاها قائمة بكل ما يملك وأعلنت ليبيا استسلاما طوعيا. وقبله عاند صدام حسين وتحدى وحشد الناس في الشوارع، ورفض كل مبادرات السلام فارتكب جريمته ضد ملايين الإيرانيين الأبرياء في حربه الأولى، ثم استدار على الكويت ورفض كل الحلول العربية والدولية وانتهى في الحفرة الشهيرة.! وليت الإيرانيين يتعلمون من تجربة كوريا الشمالية، فهذه الدولة حولت أموالها للسلاح النووي وتحدت العالم وكانت النتيجة مجاعة حقيقية لملايين البشر الذين لا يحصلون على لقمة خبز ، في وقت يعيش فيه أبناء عمومتهم في كوريا الجنوبية معدلات هائلة في النمو الاقتصادي.
لا نعرف إن كان أحد في طهران يصغي لأية نصيحة، ولا ندري إن كان احد يدرك الخطأ الجسيم للتصعيد الإيراني مع الأمم المتحدة، وتبديد خيرات الشعب الإيراني المحتاج إلى كل قرش في سباق تسلح عدمي، ولكننا نقول من منطلق من يريد الخير لجيرانه إن السياسة الإيرانية الحالية ستنتهي بمأساة، وانه يجب إعادة الحسابات بشكل أكثر دقة. وان الأمور قد تتطور إلى سيناريوهات لا تخطر على بال متخذي القرار السياسي في طهران بما فيها الخيار العسكري الذي يعتقد البعض خطأ انه مستحيل بسبب الوضع الأميركي في العراق.
كل كارثة ستحل بإيران ـ لا سمح الله ـ سيدفع ثمنها الجيران، وكل خير لإيران سينعكس كذلك على الجيران، وكل خوفنا هو أن تعتقد إيران أنها يمكن أن تسجل أهدافا في الوقت الضائع وهي مغامرة قد ندفع جميعا ثمنها باهظا.
التعليقات