خيرالله خيرالله

لم تمر على لبنان منذ سنوات طويلة سنة في سوء السنة 2006 التي كانت امتداداً للسنة 2005، سنة اغتيال الأمل المتمثل برفيق الحريري باني لبنان الحديث واضع مداميك الاستقلال الثاني. كان المطلوب في السنة 2006 الاستمرار في ممارسة كلّ أشكال القهر والظلم في حق البلد الصغير المطالب بحرّيته وحقه في العيش الكريم. كان المطلوب إبلاغ اللبنايين أنّه لن تقوم لبلدهم قيامة وانه ليس مسموحاً له بالتطوّر والازدهار. على العكس من ذلك، يبدو أن على لبنان أن يدفع ثمن كلّ أزمات المنطقة من دم أبنائه، أشرف أبنائه من العرب الصادقين، من أجل أن يبقى quot;ساحةquot; للمحور الايراني ـ السوري المتطلع إلى صفقة مع الادارة الأميركية أو مع إسرائيل.
ما أثبتته الأحداث التي توالت على لبنان في السنة 2006، أنّه يتعرّض لعملية خطف تستهدف الأسس التي يقوم عليها. هذه العملية بدأت بالتمديد لرئيس للجمهورية في أساس وصوله إلى سدّة الرئاسة رفضه ارسال الجيش إلى جنوب لبنان كي يظلّ الجنوب ورقة في يد المتاجرين بالبلد في دمشق وطهران.
من في حاجة إلى مشاهدة الفيلم مظهّراً بعد تحميضه، يستطيع استعراض أحداث لبنان 2006 للتأكد من أن اغتيال رفيق الحريري لم يستهدف الرجل بكلّ ما يمثّله فقط، بل أن الهدف الحقيقي للاغتيال كان ضرب مشروع إعادة الحياة إلى لبنان لا أكثر ولا أقلّ. في السنة 2006، ظهرت النيّات على حقيقتها. ظهر بوضوح لماذا كان رئيس الجمهورية على عجلة من أمره في طمس معالم الجريمة وإعادة فتح الطريق أمام حركة السير على عجل. وظهر بوضوح لماذا كان نزول quot;حزب اللهquot; إلى الشارع في الثامن من آذار 2005 للحؤول دون الخروج العسكري السوري من لبنان. وظهر بوضوح لماذا سلسلة الاغتيالات والتفجيرات التي تلت نسف موكب رفيق الحريري والتي لا تزال مستمرّة إلى اليوم وكان آخرها استشهاد الوزير والنائب بيار أمين الجميّل رمز المستقبل الواعد الذي يتطلّع إليه شباب لبنان الراغب في العودة إلى بلده والعيش فيه حرّاً كريماً. وظهر بوضوح في السنة 2006 أن المطلوب ضرب مشروع الاعمار والانماء من جذوره كي يكون لبنان مجرّد محافظة سوريّة أخرى متخلّفة يتحكّم بها النظام الذي يتحكّم بالنظام السوري، أي النظام الايراني صاحب المشروع الاقليمي الطموح المستند إلى عقيدة مذهبية محدّدة...
بعد أحداث 2006 ، لم تعد هناك أسرار. انكشف كلّ شيء. كان مطلوباً، ولا يزال، تغطية الجريمة لا أكثر ولا أقلّ ومنع قيام المحكمة ذات الطابع الدولي أيّاً يكن الثمن. المطلوب الغاء لبنان كي لا تكون هناك مرجعيّة لبنانية ذات صفة شرعية تتابع عملية البحث عن الحقيقة وتدعمها. لهذا السبب كانت حرب الصيف التي تسبب بها quot;حزب اللهquot; مدّعياً أنّه يريد تحرير الأسرى لدى اسرائيل. لا بدّ أن يكون المرء ساذجاً حتى يعتقد أن هناك قضيّة أسرى تستأهل إلحاق كلّ هذه الخسائر بلبنان واللبنانيين. والآن بعد مضي نحو خمسة أشهر على الحرب وصدور القرار الرقم 1701، يتبيّن بكلّ وضوح أن الهدف كان الانقلاب على الدولة اللبنانية وتمكين إسرائيل من الحاق أكبر كميّة من الأذى بمشروع إعادة الحياة إلى لبنان. كانت الحرب هزيمة منكرة للبنان وانتصاراً كبيراً لـquot;حزب اللهquot;، فيما تستطيع إسرائيل القول، على الرغم من كلّ الخسائر التي لحقت بها، أنّها حققت ما تريد تحقيقه عبر تعزيز القوة الدولية الموقتة في جنوب لبنان استناداً إلى القرار 1701.
واذا كان من جديد كشفته الأحداث الأخيرة في لبنان بدءاً باستقالة وزراء quot;حزب اللهquot; وquot;أملquot; من الحكومة وانتهاء بالاعتصام في وسط بيروت، مروراً بانضمام بيار أمين الجميّل إلى قافلة الشهداء، فانّ هذا الجديد يتمثّل في أنّ المحاولة الهادفة إلى الغاء لبنان دخلت مرحلة جديدة. يمكن اختصار هذه المرحلة التي يقودها quot;حزب اللهquot; والتي يستخدم فيها أدوات حقيرة بألوان زاهية، بأنّها مرحلة أستخدام لبنان كلّه رهينة بعد اغلاق جبهة الجنوب حيث القوّات الدولية والجيش اللبناني.
بدأ المشروع الايراني في لبنان قبل نحو ربع قرن. نجح في تحويل الطائفة الشيعية الكريمة رهينة له بمساعدة سورية في البداية ومن دون حاجة تذكر إلى دمشق منذ الانسحاب العسكري لقوّاتها من لبنان. نقلت ايران المعركة إلى قلب لبنان هذه المرّة من أجل انقاذ النظام السوري من المحكمة الدولية ومن أجل ابلاغ رسالة إلى المجتمع الدولي، على رأسه أميركا، أنها قادرة على الرد على اغلاق جبهة الجنوب في وجهها. نقلت الجبهة إلى بيروت، بل إلى قلب بيروت. تبيّن أن سلاح quot;حزب اللهquot; الذي طالما كان هناك بحث بين اللبنانيين في جدواه سلاح للداخل اللبناني، وأن كل الباقي شعارات، حتى لو لم يكن هذا السلاح ظاهراً.
في السنة 2007، سيخوض لبنان واللبنانيون معركة شرسة. إنّها معركة مصير لا علاقة لها بمبادرة جامعة الدول العربية التي تصلح بالكاد لتمرير الوقت. المعركة اسمها معركة المحكمة الدولية التي يخوضها المحور الايراني ـ السوري المستعد للذهاب إلى أخذ البلد كلّه رهينة وتدميره على أهله كي لا يوجد من يقول أن في لبنان من يقف مع المحكمة ويدعمها. بالنسبة إلى النظام السوري، المعركة معركة حياة أو موت. وبالنسبة إلى النظام الايراني، لن يكون خروجه من لبنان سهلاً بعد نجاحه في خطف طائفة بكاملها، طائفة قادرة على التحكّم بمصير البلد والحياة فيه. يبقى سؤال بسيط: هل يسمح العالم بإلغاء لبنان عن طريق اسقاط حكومته؟ أم أن المفاجآت الأقليمية ستتوالى في السنة 2007؟