الجمعة 29 ديسمبر2006

د.محمد قيراط



laquo;إنني أضع أملي في حكمة وأمانة القائمين على منظمات حقوق الإنسان وأراهن على وجود دول نزيهة تؤمن بما أؤمن به من استقلالية وحيادية منظمات حقوق الإنسان، فالعالم ليس بحاجة فقط إلى نشر الديمقراطية والحريات وإنما بحاجة إلى ماء نظيف وطعام ودواء وتعليم وأمور إنسانية أخرى لا يحيا الإنسان من دونهاraquo;. هذا كلام ماري روبنسون المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.

روبنسون ومن تجربتها في الأمم المتحدة تتكلم بمرارة عن تسييس حقوق الإنسان وعن انتهاك حقوق الإنسان من قبل دول عريقة تتغنى بالديمقراطية وتلقن دروس حقوق الإنسان للدول المغلوب على أمرها والتي لا حول ولا قوة لها. فمنظمة الأمم المتحدة التي تعتبر الراعية الأولى لحقوق الإنسان في العالم تعاني من الابتزاز والاستغلال من قبل حفنة من الدول، تستغل المنظمة الأممية لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب المنظومة الدولية. فالأمم المتحدة منظمة دولية متعددة الدول وفي خدمة دول العالم قاطبة وليس لخدمة دولة معينة نظرا لقوتها وهيمنتها على العالم. كما أنها من المفروض أن تكون مصدرا لحقوق الإنسان في العالم بأسره تحرص على نشر القيم الإنسانية النبيلة ومكافحة الاستبداد والظلم والابتزاز والاستغلال والهيمنة والسيطرة. فالأمم المتحدة يجب أن تُحرر من سيطرة بعض الدول وأن تعمل على نشر قيم عالمية ليست قيم القوي، قيم غربية أو أميركية وإنما قيم تخدم الإنسانية جمعاء.

فالحرب على الإرهاب هي طريقة تتنافى جملة وتفصيلا مع حقوق الإنسان وهي طريقة لا تصلح أساسا لمعالجة مشكلة الإرهاب على المستوى الدولي. وكان من الأفضل اللجوء إلى طرق أخرى تقوم على المنطق وعلى الآليات المنهجية المنظمة وعلى الأطر القانونية للقضاء على أسباب الإرهاب ودوافع اللجوء إليه وبعد ذلك العمل على استئصاله بطريقة علمية ومنهجية. فالحرب على الإرهاب هي حرب ضد مفهوم مجرد وهي حرب ضد عدو مجهول وكانت النتيجة في نهاية المطاف ضحايا غوانتانامو وجرائم ضد الإنسانية وضحايا أبرياء يعدون بالآلاف. فأهم ما ميز ويميز حالة حقوق الإنسان في العالم في السنوات الأخيرة هو التدهور والانحطاط والمعاناة حيث تم الاعتداء واختراق حقوق الإنسان باسم مكافحة الإرهاب واستئصاله. وهذا ليس من قبل الدول السلطوية والدكتاتورية فحسب لكن من قبل دول عودتنا على الممارسات الديمقراطية والحريات الفردية.

أكثر من نصف قرن مضى على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما هي الدروس وما هي العبر؟ وأين نحن من واقع هذه الحقوق؟ وهل حقا استفادت الإنسانية من دمار الحربين العالميتين واقتنعت بمنطق التعايش السلمي والتكافل الإنساني العالمي. منطق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يقوم أساسا على المفهوم الواضح والشفاف للعدالة في المعاملة والمقاييس والمعايير وعدم التمييز والتفرقة بين الشعوب والأعراق والأجناس سواء كانوا من سكان الشمال أو الجنوب أو كانوا ينتمون لدول فقيرة أو غنية. الخمسة عقود الماضية تشير إلى انتهاكات وتجاوزات عديدة وصارخة تفننت فيها الدول نفسها التي شاركت في صياغة الإعلان، تلك الدول التي نصبت نفسها مسؤولة على البشرية جمعاء لكن وفق وجهة نظرها ورؤيتها.

وفي كل سنة يحتفل العالم في العاشر من ديسمبر بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعبرة ليست في الذكرى بقدر ما هي في التطور التاريخي لهذا الميثاق ولممارسة حقوق الإنسان في أرض الواقع. والملاحظ أن منذ البداية الأولى أي سنة 1948 كانت الانطلاقة خاطئة وكانت هناك ازدواجية في المعايير، حيث إن في تلك الحقبة التاريخية كانت دول وأمم وشعوب ترزح تحت نير الاستعمار ولم يتطرق لها الميثاق لا من قريب ولا من بعيد ولم يولها أي اعتبار. ما هو الوضع في أيامنا هذه، أيام الحرب على الإرهاب والنظام الدولي الجديد والعولمة والقرية العالمية والتجارة الحرة؟ وما هو الوضع ونحن في نظام القطبية الأحادية وهل تمت عولمة ميثاق حقوق الإنسان؟ أم أن هناك فاعلين في النظام الدولي يستعملون المصطلح والمفهوم وفق معطياتهم ومصالحهم وهل بإمكاننا الكلام عن عالمية حقوق الإنسان أم عولمة حقوق الإنسان؟

ما يمكن قوله إن حقوق الإنسان مثلها مثل الديمقراطية ومصطلحات عديدة أخرى أصبحت وسيلة وأداة توظف في لغة السياسة والدبلوماسية وأصبحت تستعمل كوسيلة ضغط على عدد كبير من الدول التي تخرج عن سكة الفاعلين في النظام الدولي. وتجدر الإشارة هنا أن ميثاق حقوق الإنسان منذ ظهوره اتسم بثغرات ومصطلحات مبهمة وتناقضات عديدة تختلف مع قيم الكثير من المجتمعات ومعتقداتها الدينية وتقاليدها وعاداتهاالخ. وإذا رجعنا إلى فلسفة حقوق الإنسان ورجعنا إلى الثورة الفرنسية تحديدا نجد أن المحور الأساسي يتعلق بترسيخ الشعور في نفسية المواطن بالتحرر من الاستبداد والعبودية والتبعية وطغيان طبقة أو فئة معينة في المجتمع على باقي الطبقات والشرائح الاجتماعية الأخرى، وهذه الأمور مع الأسف الشديد قائمة وموجودة داخل الدول وعلى مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل بإمكاننا أن نضمن حقوق الإنسان لمواطني دولة مستعمرة (بفتح الميم) وهل بإمكاننا ضمان حقوق الإنسان في دولة تابعة ومسيطر عليها خارجيا من قبل دولة أو دول أو نظام دولي؟ إشكالية حقوق الإنسان معقدة وأصبحت في عصر العولمة وسيلة ضغط في يد الدول القوية (حق التدخل) للتحكم في مسار العلاقات الدولية وفق مصالحها وأهدافها.

وهكذا إذن أصبح مبدأ حقوق الإنسان وسيلة في يد الدول القوية للضغط وإدارة شؤون العالم وفق ما تمليه عليها مصالحها وأهدافها الإستراتيجية. ونلاحظ هنا أنه حتى بعض المنظمات غير الحكومية التي تعنى بشؤون حقوق الإنسان قد تم تسيّيسها وانحازت لدول ولمصالح ولأيديولوجيات معينة على حساب خدمة مبدأ إنساني عالمي لا يعرف في الأساس لا حدود ولا جنسيات. فأحداث 11 سبتمبر شكلت منعطفا خطيرا أثر سلبا على حقوق الإنسان في العالم، وحتى تلك الدول القليلة في العالم التي كان ينعم الفرد فيها بهامش كبير من حرية الفكر والرأي والتعبير والصحافة ضربت بحقوق الإنسان عرض الحائط وأصبحت تقوم بممارسات لا تختلف عن تلك التي عودتنا عليها الدول الدكتاتورية والسلطوية.

كيف يكون مستقبل حقوق الإنسان في ظل العولمة، عولمة لا تؤمن بخصوصية الشعوب ولا بالدول والأمم الفقيرة والضعيفة، عولمة همها الوحيد هو سلطة المال والسياسة والقوة. عولمة تهيمن فيها الشركات المتعددة الجنسية على المال والأعمال والصناعات والتجارة الدولية. هذه الشركات المتعددة الجنسية التي تبتز أطفال العالم وفقراء العالم في ضوء النهار من جهة وتطالب من جهة أخرى بحقوق الإنسان.

أليس من حق أطفال فلسطين والعراق وأفغانستان العيش؟ وكيف لنا أن نتكلم عن حقوق الإنسان في العالم وهناك شعوب محرومة من حقها حتى في الوجود؟ يبدو ببساطة أن العالم بحاجة لوقفة مع الذات ومع أخلاق الأنا والغير، لأن هذا هو التحدي الكبير الذي سيواجهه مستقبلا.

التحدي يكون أساسا في القيم الإنسانية والأخلاقية وفي laquo;أخلقةraquo; العلاقات السياسية والعلاقات الاقتصادية الدولية. فبدون قيم إنسانية ومبادئ أخلاقية وحقوق إنسان، تحترم كرامة الإنسان وإنسانيته، سيكون مصير الشعوب والأمم النزاعات والصراعات والحروب بدلا من الحوار والتفاهم والتلاحم من أجل حياة سعيدة، كريمة، شريفة تنعم بها البشرية في جميع أنحاء المعمورة.

كلية الاتصال ـ جامعة الشارقة

[email protected]