عندما laquo;هندستraquo; فرنسا الكيان اللبناني الحالي عام 1920، لطمأنة مسيحييه ورعاية مصالحهم، فإنها أصغت بكثير من الاهتمام إلى ما قاله يومذاك أمام حضور مؤتمر باريس كل من البطريرك الماروني الياس الحويك ومطران الروم الكاثوليك كيرللس المغبغب.
ولما راعى laquo;النظام العالمي الجديدraquo; الخارج للتو من الحرب العالمية الأولى مشاعر مسيحيي laquo;جبل لبنانraquo; الخارجين من تحت عباءة السلطان العثماني... خليفة المسلمين، فآخر ما تصوّره أنهم سيسيئون التصرف بالهدية المقدمة إليهم، وسيسهمون بتهديد مستقبلها.
لا حاجة إلى مشوار يأخذنا بعيداً مع الوثائق التاريخية، بل يكفينا متابعة الانقسام الحاصل حالياً على الساحة المسيحية اللبنانية.
قد يقول قائل إن من الآليات المعروفة للدفاع عن النفس عند الأقليات الدينية والعرقية في وجه صراع إقليمي أو خارجي أكبر منها... اللجوء إلى خطة الانقسام المتعمد (المتفاهم عليه)، بحيث يتحالف فرع منها مع هذه القوة الخارجية بينما يتحالف الفرع الآخر مع القوة المقابلة.
وبالنتيجة يستطيع الفرع المتحالف مع القوة الغالبة التشفع للفرع الآخر وحمايته من غضبها. وفي تاريخ الشرق الأدنى أمثلة عديدة على هذا النوع من الانقسامات النابعة من حكمة laquo;عند تنازع الدول... إحفظ رأسكraquo;.
عن عمد أو نتيجة لتعدد القراءات السياسية، انقسم مسيحيو لبنان عند تفجر الحرب الأهلية اللبنانية التي سقط فيها تباعاً عدد من رهاناتهم. فبرّر فريق منهم تعاونه اللوجستي والسياسي مع إسرائيل بالخطر المحدق بالوجود المسيحي في الشرق واحتمال laquo;تسفيرraquo; مسيحيي لبنان بحراً إلى المهاجر البعيدة، وفضّل فريق آخر عقد صفقات تحالفية مع دمشق عندما أدرك أنها تحمل تفويضاً عربياً ودولياً سيجعلها قوة تحكيمية ـ إن لم تكن حاكمة ـ في لبنان لفترة طويلة آتية.
هذا ما حصل قبل ثلاثة عقود. ولكن اليوم بعد جولات وهزائم ومنازعات وثارات دم، يبدو المشهد سوريالياً ومرتبكاً إلى أبعد الحدود.
فها هم أدعياء laquo;العروبةraquo;، حلفاء دمشق، الأعلى صوتاً في رفع الشعارات الطائفية الفاقعة من نوعية laquo;القرار المسيحيraquo; وlaquo;المسيحي القويraquo; وlaquo;رئاسة الجمهورية القويةraquo;، بينما من دَفَعوا ثمناً باهظاً لرهانهم على دعم إسرائيل متهمون اليوم على ألسنة laquo;العروبيينraquo; بأنهم مجرد laquo;كومبارسraquo; مشكوك في مسيحيتهم داخل كتل يقودها المسلمون السنة والدروز.
أوَ ليس هذا ما عناه نائب رئيس الوزراء السابق ميشال المر لدى استضافته وفداً من مجلس الشيوخ الفرنسي (يوم 17/2/2006) عندما قال: laquo;ليس هناك من موقف مسيحي جامع سوى ما يمثله العماد ميشال عون وكتلته.
اما بقية النواب المسيحيين فهم منضوون في لوائح ويتقيدون بقرارات رؤساء الكتل، إن في بيروت (سعد الحريري) او في الجبل (وليد جنبلاط) او في الشمال (سعد الحريري والتكتل الطرابلسي)raquo;؟
من ناحية ثانية، فرض الارتباك الحاصل على الساحة المسيحية laquo;انفصاماًraquo; على مستوى القمة في قوى كحزب الكتائب، أكبر الأحزاب السياسية المسيحية حتى عام 1990.
ففي حين يشارك الرئيس الأعلى للحزب الرئيس أمين الجميل ضمن فعاليات قوى laquo;14 آذار/مارسraquo;... ينشط الرئيس التنفيذي كريم بقرادوني في خطوات laquo;التنسيقraquo; مع حليفه laquo;التيار العونيraquo; المعارض لقوى laquo;14 آذارraquo; علناً والمتحالف راهناً مع laquo;حزب اللهraquo; الشيعي!
كلمة أخيرة...
صحيح، وحدهم المسيحيون يقرّرون خياراتهم السياسية، لكنهم ـ مع الأسف ـ لن يتحملوا وحدهم تبعات أخطاء قراءاتهم الاستنسابية ولو كانت صادقة، أو الانتهازية إذا سقطوا مجدداً في مستنقع laquo;الشطارةraquo; المفرطة.
التعليقات