الإثنين: 2006.03.027


عبدالعظيم حماد



تحققت النبوءةrlm;,rlm; أو تحقق جزء منها على الأقل بأسرع مما كان صاحبها نفسه يتوقعrlm;,rlm; فمنذ أكثر من شهر تقريبا كان الدكتور غسان سلامة وزير الثقافة اللبنانية السابق ومستشار الأمم المتحدة فيما بعد في العراق يحاضرنا في المجلس المصري للشئون الخارجيةrlm;,rlm; وبينما كان عنوان المحاضرة هو الأوضاع العربيةrlm;,rlm; فإن العرض الذي قدمه خلص إلي نتيجة سبقه إليها وزير خارجية ألمانيا الأسبق يوشكا فيشرrlm;,rlm; وهي أن إيران كانت هي أكثر الأطراف الإقليمية إفادة من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير في السنوات الثلاث الماضيةrlm;,rlm; وأن الفوائد التي جنتها طهران أهلتها لكي تكون الطرف الرئيسي في حرب باردة إقليمية مع الولايات المتحدة ميدانها الخليج والمشرق العربي وغرب آسياrlm;.rlm;

لكن ذلك كان تحليلا وصفيا لنمط الصراع الاستراتيجي في المنطقة العربية وماحولهاrlm;,rlm; ومن ثم كان ينقصه عنصران مهمان في رأيي هما تحليل ميزان القوي الإقليمي أيضا بين طرفي الصراعrlm;,rlm; ثم محاولة التنبؤ بمآلاتهrlm;,rlm; وردا علي تساؤلي هذاrlm;,rlm; وبعد أن استعرض الدكتور سلامةrlm;,rlm; وهو في الأصل أستاذ علوم سياسية بجامعة السوربون الفرنسيةrlm;,rlm; عناصر معادلة القوة الشاملة لكل من إيران والولايات المتحدة في الإقليم توقع أن أرجح السيناريوهات لتسوية هذا الصراع ـ أو نزع فتيله ـ هو صفقة أمريكية إيرانية علي حساب العرب ولمصلحة إسرائيلrlm;.rlm;

كانت النبوءة مفاجئة لأغلب الحضورrlm;,rlm; بمن فيهم كاتب هذه السطورrlm;,rlm; إذ كنا لانزال مأخوذين بمنطق التصلب الأيديولوجي والدعايات الشعبوية المتبادلة بين بوش ومحافظيه الجدد والقداميrlm;,rlm; وبين أحمدي نجادrlm;,rlm; ونسخته الخاصة من المحافظين الجدد من شباب الجيل الثاني للثورة الإيرانيةrlm;,rlm; وهو منطق يرجح ـ إن لم يكن يحتم ـ الانتظار حتي تتغير الإدارات في واشنطن وطهران ليمكن البحث عن طريق جديدrlm;,rlm; فضلا عن الحديث عن صفقة آتية لاريب فيهاrlm;.rlm;

كيف أصبحت الآن ممن يأخذون هذا الاحتمال مأخذ الجد؟
ليس الاتفاق الأمريكي ـ الإيراني المفاجئ علي التفاوض المباشر حول مستقبل العراق هو السبب في هذا التحولrlm;,rlm; فقد كان من الممكن تصديق الرئيس بوش ووزيرة خارجيته في أن الحوار مع إيران سيقتصر علي العراقrlm;,rlm; ولن يتطرق إلي بقية موضوعات الخلاف مع إيرانrlm;,rlm; لولا أن الحقائق والمعلومات تكذبهماrlm;,rlm; وتؤكد أن ذلك الحوار حول العراق هو جزء من كل آخذ في التشكل طبقا لدبلوماسية الربط التي اخترعها الأمريكيون علي أيام نيكسونrlm;/rlm; كيسنجرrlm;,rlm;

فما إن مضت بضعة أيام حتي سربت وزارة الخارجية البريطانية مشروعا شاملا لتسوية الأزمة النووية الإيرانيةrlm;,rlm; ومع أن المبرر الذي قدمه البريطانيون لهذا الجهد هو إسقاط ذرائع روسيا والصين لمعارضة دور قسري لمجلس الأمن في الأزمةrlm;,rlm; إلا أن قصة إسقاط الذرائع تبدو أقرب لقنابل الدخانrlm;,rlm; أي أنها غطاء يستخدمه الثعلب البريطاني العجوز لإخفاء الهدف الحقيقيrlm;,rlm; بما أن المشروع يحتوي علي مجموعة من الحوافز السياسية والاقتصادية والأمنية لإيران علها لا تحتاج إلي تخصيب اليورانيوم بنفسها لأغراض سلمية توفر إمكان التحول عند الطلب إلي الأغراض العسكريةrlm;,rlm; ووفقا لنص المشروع البريطاني فستعرض هذه الصفقة علي إيران في جولة مستأنفة من مفاوضاتها مع الترويكا الأوروبيةrlm;(rlm; بريطانيا وفرنسا وألمانياrlm;).rlm;

ما يجعل هذا المشروع البريطاني مؤشرا علي تحول في الموقف الأمريكي في نظري ليس هو علاقة بريطانيا الخاصة بالولايات المتحدة ووقوفها المسلم به دائما في معسكرها في كل القضايا الدوليةrlm;,rlm; ولكن لأني كنت شاهدا علي رفض دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي لتقديم أي حوافز أو ضمانات ـ خاصة الأمنية ـ إلي إيرانrlm;,rlm; من أجل التخلي عن طموحاتها النوويةrlm;,rlm; عندما اقترح ذلك المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر في مؤتمر موينيخ لسياسات الأمن الدولي في فبراير عامrlm;2005.rlm;

في غضون هذه التطورات خرج ستانلي فايس مؤسس ورئيس مجلس مديري الأعمال للأمن القومي بمقال يومrlm;15rlm; مارس الحالي بصحيفة هيرالد تريبيون يطالب إدارة الرئيس بوش بالقيام بتحرك دبلوماسي جريء نحو إيرانrlm;,rlm; يتضمن عرضا دراماتيكياrlm;,rlm; يتضمن بدوره ضمانات أمنية كتلك التي عرضت علي كوريا الشماليةrlm;.rlm;

ويبرر فايس هذا المطلب باستعراض دواعي احتياج كل من واشنطن وطهران لهذه الصفقةrlm;,rlm; ويشرح فوائدها للطرفين اقتصاديا واستراتيجيا غير أن أهم مبرر في رأيه هو أن المصالحة الأمريكية مع نظام الجمهورية الإسلامية في إيران سينزع من يد المتشددين في هذا النظام أهم أسلحتهم للتعبئة الوطنيةrlm;,rlm; وسيسقط حجمهم في مواجهة الإصلاحيين ومطالب التغييرrlm;,rlm; فضلا عن إعلاء مكانة الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية للجماهير الإيرانية في الحياة السياسية للبلادrlm;,rlm; وهكذا يتحقق الهدف الأصلي وهو تغيير النظام ولكن من داخلهrlm;.rlm;

ما يهمني في مقال ستانلي فايس أكثر من مبرراته وتنبؤاتهrlm;,rlm; أنه من الكتاب الذين لديهم صلات تمكنهم من الحديث عما يدور في عقل صانعي السياسة الخارجية الأمريكيةrlm;,rlm; مثله مثل كثيرين أقربهم زمنا إلي ضرب المثل توماس فريدمان الذي ظل يطالب باستراتيجية طويلة المدي للتحرر من التبعية النفطية للشرق الأوسط والخليج حتي تبني الرئيس بوش هذه الاستراتيجية في خطابه الأخير عن حالة الاتحادrlm;.rlm;

فإذا كان منطق الصفقة مع إيران هو الذي يحكم السياسة الأمريكية الآن طبقا للشواهد الثلاثة التي ذكرناهاrlm;,rlm; وهي المفاوضات حول العراقrlm;,rlm; والمشروع البريطانيrlm;,rlm; ومقال فايسrlm;,rlm; فإن ما يجب أن نبحث عنه هو الشروط المتوقعة لهذه الصفقةrlm;.rlm;

هنا نعود إلي حديث الدكتور غسان سلامةrlm;,rlm; فقد أصبح من حقه أن ننتبه إلي كل كلمة قالهاrlm;.rlm;

لكن المساحة لا تسمح بمثل ذلكrlm;,rlm; لذا نكتفي بنبوءاته أن مثل هذه الصفقة إن حدثت بين واشنطن وطهران ستكون لمصلحة إسرائيلrlm;,rlm; وعلي حساب العربrlm;,rlm; ولن تتضمن نزع سلاح حزب الله لأن إسرائيل لم تعد مهمته بذلكrlm;,rlm; ويكفيها فقط امتناع حزب الله عن تدريب المقاتلين الفلسطينيين وتزويدهم بالسلاحrlm;.rlm;

أما الخسارة الأكبر فهي أن الاحتكار الإسرائيلي للسلاح النووي سيظل مستبعدا عن أي صفقات إقليميةrlm;,rlm; لأن الضمانات الأمنية التي ستقدم إلي إيران لن تكون جزءا من نظام للأمن الجماعي في المنطقةrlm;,rlm; مادام الغرب ليس لهم حسابrlm;,rlm; وماداموا لا يرون خطرا عليهم سوي البرنامج النووي الإيرانيrlm;,rlm; مع أن إيران لاتزال بعيدة بما لا يقل عن عشر سنوات من إنتاج القنبلة النوويةrlm;.rlm;

والكلام هنا لستانلي فايس نفسه في مقاله المستشهد به أعلاهrlm;.rlm;