الثلاثاء: 2006.03.028
طلال منجد
ما بين حديث رئيس الجمهورية اميل لحود الى جريدة quot;لاكرواquot; الفرنسية (الخميس 16 آذار الجاري) وما بين ظهوره الاعلامي على قناة quot;الجزيرةquot;، قبل يومين، ثمة انقلاب في مواقف لحود بنسبة 180 درجة بحيث بدا وكأنه يتحدث بلسانين مختلفين، لا في اللغة فحسب وانما في المضمون. ففي المقابلة مع جريدة quot;لاكرواquot; ذات الاتجاه المسيحي، دعا لحود الى quot;تهدئة الخطاب السياسي في لبنان من أجل تركيز الدعائم التي يرتكز عليها البناء الوطنيquot;، بينما على قناة quot;الجزيرةquot; فتح لحود صندوق العجائب على مصراعيه في أعنف حملة كلامية، مسمياً نواباً وزعماء سياسيين ولم يسلم الرئيس الفرنسي شيراك الذي اتهمه لحود بالعمالة للولايات المتحدة ومن المتمسكين بالثأر، كاشفاً عن وقائع تعتبر من أسرار الدولة quot;المؤتمنquot; عليها في حال صحتها وعدم اختلاقها، مثل ظروف حديثه مع وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت أثناء الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب في ايار 2000 ومداولات القمة العربية في بيروت 2002، وحديث حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة اليه بخصوص بنك المدينة.
الحديث مع أولبرايت: رواية معاكسة
ومما يلفت النظر بالنسبة للمباحثات التليفونية المطولة التي استمرت خمس ساعات بينه وبين أولبرايت حيث كان لحود يتحدث عبر الهاتف الخليوي من سيارته، ثمة رواية صحافية معاكسة تحدثت في ذلك الوقت عن تلقي لحود بالفاكس جملة توجيهات لتحديد المسائل المطلوبة من لبنان الرسمي في الامم المتحدة كما وان كل تلك المواقف جرى اتخاذها من دون التشاور مع رئيس مجلس الوزراء في حينه الدكتور سليم الحص.
quot;الناس مثل جحاquot; على الجزيرة
واذا كان فعلاً ان حديث لحود الى الجزيرة هو بمثابة خطاب الوداع بالمقارنة مع خطاب القسم الذي ابتدأ به ولايته عام 1998 فإن لازمة quot;من حق الناس ان تعرف وان تسأل وان تحاسبquot; التي ميزت خطاب القسم بحيث تكررت عبارة quot;الناس والمواطنquot; نحو عشرين مرة في ذلك الخطاب الشهير فإن لحود في خطابه الوداعي الاخير كان أقرب الى التشكيك بالناس اياهم في أكثر من محطة:
ـ في جملة ان quot;الناس يصبحون مثل جحا ويصدقون حالهمquot;.
ـ في عبارة quot;ان الناس لا ينتبهونquot;..
اما خطاب القسم ذاته فقد أطلقه لحود باتجاه المرشح الرئاسي العماد ميشال عون موصياً اياه باعتماده في لفتة فسرتها الاوساط السياسية على انها أسوأ دعم تلقاه عون من لحود.
عروض لحود التفاوضية
ولم يفت غسان بن جدو مقدم البرنامج ان نداء لحود quot;للنظر الى المستقبلquot; هو بمثابة دعوة لمقايضة التنحي عن السلطة بالاتفاق على أشياء ما، وهذه النقطة هي أهم ما تضمنته الحلقة، خصوصاً وان الاوساط العليمة تقول ان لحود كرر في اسبوع واحد ولمرتين مطالبته باطلاق سراح أركان جهازه الامني كما أقدم في مجلس الوزراء الاخير على سحب ما نقل عنه حول الخلوي ويضاف الى ذلك ما كشفه على لسان رياض سلامة حول نظافته، هو وأولاده، لجهة بنك المدينة. وبالتالي فإن هذه المسائل الثلاث تشكل في واقع الحال الضمانات التي يطالب بها لحود لقاء تنحيه عن السلطة وهي: قضية الضباط الموقوفين ومسألة الخلوي ووثائق بنك المدينة التي تكشف المتورطين. اما مسألة خلفه في الرئاسة فهي آخر ما يهمه، لا سيما تعمّده احراق آخر اسمين كان يلوح بهما في هذا المجال: العماد عون عبر الاثقال عليه بتسميته لسبب واحد هو الانتماء الى نفس المؤسسة العسكرية، على حد قول لحود، اما الورقة الثانية فهي حاكم مصرف لبنان عن طريق اتهامه ـ ولو عرضاً ـ بخرق قانون السرية المصرفية وافشاء السر المصرفي في أدق مسألة وهي بنك المدينة.
quot;الرذالةquot; من يقوم بها؟
ومن غريب المصادفات ان حديث لحود الى الجزيرة يأتي قبل ثلاثة أيام من تقرير مصيره على طاولة الحوار وأراد من خلاله ان يبدو كثير الثقة بوضعه مثلما كان شديد الثقة في 12 آذار 2005 (قبل يومين من الحدث الكبير) عندما تحدث بلامبالاة الى مجلس نقابة المحررين واصفاً الجريمة بأنها quot;quot;ضرب رذالةquot;.
ومن المفيد التذكير هنا بأن هذا المصطلح هو خاص بالمؤسسة الامنية والاستخباراتية كما يستفاد من حديث أورده باسم الجسر عن الرئيس الراحل فؤاد شهاب وورد في كتاب quot;فؤاد شهاب، ذلك المجهولquot; ص 115 وفيه ينقل الجسر عن شهاب قوله: quot;مهمات المخابرات العسكرية متنوعة وبعضها ليس جميلاً، فما يسميه الناس quot;رذالاتquot; قد تكون أفعالاً يضطر هؤلاء الضباط الى القيام بها لمنع عملية ارهاب او تجسس او مؤامرةquot;.
ناطور المفاتيح
وكما قبل عام وكذلك اليوم فقد شاء رئيس الجمهورية اميل لحود ان يختم حديثه الفريد من نوعه الى قناة الجزيرة بقوله: quot;فليفلوا اذا أنا بدي فلّquot;.. عبارة خالدة لم تخطر على بال الرحابنة في مسرحية quot;ناطورة المفاتيحquot; حيث الناس تركوا بلدهم وفلوا بسبب سوء سلوك الحاكم وأودعوا مفاتيح منازلهم لدى فيروز التي غنت quot;ويننquot;!
لم يفت لحود ان يشير الى ان من هموم البطريرك صفير دعوة الشباب الى عدم الهجرة. ويقول العماد عون دائماً ان نحو مليون ونصف مليون لبناني هاجروا في الحقبة الماضية. وثمة من يتوقع ان يفلّ الباقون اذا لم يفلّ لحود..
التعليقات