الخميس: 2006.03.030
هدى الحسيني
في الوقت الذي تكاثرت فيه المخاوف من الحرب الاهلية في العراق، وبعد تفاقم الاوضاع هناك، وارتفاع وتيرة التحديات الايرانية، والانهيار المتزايد لشعبية الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، وفيما الغيوم السوداء تتراكم اعلنت الولايات المتحدة وايران انهما اتفقتا على اجراء محادثات مباشرة بينهما حول الوضع العراقي، الأمر الذي ربط الازمات الثلاث معاً: العراقية، والايرانية والاميركية. المتشددون في الادارة الاميركية يقاومون مثل هذا الربط رغبة منهم في تجنب الضغوط اللاحقة، لتسوية موّسعة مع ايران. لكن وكما قال مصدر اميركي، ان المتشددين خسروا معركة منع المحادثات مع ايران من اجل الاستقرار في العراق، دون ان يفوتهم ان هذه المحادثات بالذات ستضاعف الضغوط من اجل الوصول الى مفاوضات ثنائية حول البرنامج النووي الايراني، وكذلك حول الاهتمامات الامنية الايرانية.
إن التقاء هاتين القضيتين ( العراق والنووي الايراني )سببه حاجة الولايات المتحدة والاطراف السياسية العراقية الى المساعدة الايرانية لتقليص القتال الطائفي وللخروج من الباب المسدود سياسياً في العراق، ورغبة ايرانية تستهدف التوصل الى تسوية عريضة مع واشنطن. لقد كشفت ردود الفعل المتفاوتة على الموافقة الايرانية للتفاوض حول العراق، عن اختلاف حاد في مواقف وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ومواقف مسؤولين آخرين في الادارة تجاه المحادثات. وتجدر الاشارة الى صوت مؤثر في الحزب الديموقراطي تساءل عن سبب الموقف الاميركي المتعنت في سلبيته من ايران. ففي محاضرة القاها الاسبوع الماضي في quot;المركز الاميركي للتقدمquot; قال مستشار الامن القومي السابق زبيغنيو بريجنسكي :لماذا سياستنا تجاه ايران مختلفة عن السياسة التي نتّبعها تجاه كوريا الشمالية؟لماذا لا نتفاوض مع الايرانيين؟هل السبب كما قيل، كي لا نمنح شرعية للنظام الايراني؟ وهل يعني هذا،اننا وعن قصد نمنح الشرعية لحكومة كوريا الشمالية؟. واضاف بريجنسكي انه يعتقد ان الوقت على المدى الطويل الى جانب الولايات المتحدة في ما يخص ايران، وبالتالي فان التحاور مع ايران واستيعابها وتأخير برنامجها افضل من المواجهة معها التي ستؤثر حتماً على استقرار المنطقة.
قبل سفرها الى اوستراليا في 17 من الشهر الجاري، قالت رايس ان المفاوضات مع ايران قد تكون مفيدة ،لكن في اليوم التالي بدأ بعض المسؤولين الاميركيين يقللون من اهمية هذه المحادثات، ووصفها ستيفن هادلي مستشار الامن القومي بأنها فخ ايراني للتخفيف من الضغوط على طهران في نيويورك، ورأى عدم ضرورة المفاوضات مع ايران التي يجري الحديث معها عبر البيانات. في اليوم نفسه وصف مسؤول اميركي آخر فضّل عدم الكشف عن اسمه المحادثات بأنها خدعة وان بلاده تُقدم عليها كي لا تُتهم بأنها لم تبذل اقصى ما تستطيع لوقف العنف في العراق. وحسب محدثي الاميركي فأن مجموعتي نائب الرئيس ديك تشيني ، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، لا يهمهما ما يحدث في العراق ، بقدر ما يهمهما استمرار التركيز على السياسة المتبّعة ضمناً، لقلب النظام في ايران. لكن يبدو ان رايس والسفير الاميركي في العراق زلماي خليل زاد على استعداد لأضعاف او تغيير هذه السياسة، لادراكهما آبعاد اخطار الصراع السياسي-الطائفي في العراق،ولاعتقادهما بأن ايران قادرة ولاسباب صارت معروفة، على المساعدة.
مع نهاية العام الماضي وقف الرئيس بوش الى جانب رايس وخليل زاد، ضد تشيني ورامسفيلد، وفي نهاية شهر كانون الاول ( ديسمبر)، ارسل خليل زاد رسالة الى السلطات الايرانية يقترح عليها التعاون في العراق.لم يعترض تشيني او رامسفيلد على هذا الاجراء آنذاك لاعتقادهما ان الايرانيين سيرفضون الاقتراح الذي حدد اطار التعاون بالعراق فقط، وبالفعل اعلنت الخارجية الايرانية رفضها لتلك الشروط. وفي 12 من الشهر الجاري ، كشف مصدر امني ايراني عن ان واشنطن جددت في نهاية شهر شباط (فبراير)،دعوتها لايران ، وان طهران لم ترفض هذه المرة. ويتبين ان موافقة طهران على الاقتراح الاميركي الذي لم تتغير شروطه، تعكس القلق الايراني من خطر المواجهة العسكرية مع واشنطن، لأنه بعد رفض طهران الدعوة الاولى، ضاعفت واشنطن من تشددها بالنسبة للمسألة النووية الايرانية ، ونظمت حملة ايصالها الى مجلس الامن. ويرى ديبلوماسي غربي أن الايرانيين يأملون باستغلال المحادثات كجسر لمفاوضات ديبلوماسية اوسع مع واشنطن تتضمن حوارا حول المسألة النووية، لذلك يتطلعون الى اجرائها في دولة حيادية.وكان رئيس وفد المفاوضين الايرانيين علي لاريجاني، المقّرب من المرشد الاعلى للثورة الاسلامية علي خامنئي عندما اعلن عن قبول ايران الشروط الاميركية للتفاوض، اشار الى الرغبة في التوصل الى توافق حول النووي الايراني ايضاً.
من ناحيتهم يصر المتشددون في واشنطن على تجنب اجراء مفاوضات مع ايران حول برنامجها النووي، وبمجرد ان الاعلان عن موافقة ايران بحث القضية العراقية ، استبعد وليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الاميركية هذا الامر وقال، ان الرفض الاميركي جزء من استراتيجية الادارة في الضغط على ايران، وانه الافضل لعزل النظام هناك.
على كل لمعرفة التطورات الاخيرة ، توجب الاشارة الى ان واشنطن وطهران تجريان ومنذ سنوات محادثات سرية غير رسمية، وكل طرف لاسبابه الداخلية حاول ان يبقي تلك المحادثات بعيداً عن الانظار، حتى عندما كانت معلنة، كتلك التي جرت في جنيف حول افغانستان بعد عمليات 11 ايلول(سبتمبر). اللافت الآن انها تتعلق بالعراق، لانهما اللاعبان الحقيقيان فيه، وهما قررا الجلوس وبحث امكانية التوصل الى صفقة تتعلق بمستقبل تلك الدولة العربية، مما يشير الى ان استمرار تلك الحرب مرتبط جزئيا بالعلاقات الاميركية-الايرانية، وبالتالي فقد قرر الطرفان انه حان الوقت للتوصل الى تلك الصفقة.
ان العراق هاجس ايران، وتعود جذوره الى الاف السنين والصراع ما بين البابليين والفرس، واخيرا الحرب بينهما في ثمانينات القرن الماضي. وبعد عاصفة الصحراء ، تسلل الايرانيون الى الجنوب العراقي، لكنهم لم يكونوا قادرين على شن حرب على صدام حسين، انما كانوا مرتاحين لان عاصفة الصحراء اشلته.ثم جاءت عمليات 11 ايلول(سبتمبر) ، فكان تصرف ايران ملفتاً، ذلك ان الايرانيين يعتبرون انفسهم طليعة الاسلام الثوري، ولم يريدوا رؤية طرف مسلم آخر يأخذ مكانهم ، لذلك اسرعت طهران وعرضت على القوات الاميركية السماح لها بالهبوط اضطرارياً في القواعد الايرانية خلال العمليات العسكرية ضد افغانستان، كما انها مارست نفوذها في غرب افغانستان وشمالها لتوفير دعم قبلي لواشنطن. هي كانت تريد ازالة نظام طالبان، ولم تمانع في ايواء مسؤولي القاعدة عندها، وكما قال لي محدثي الاميركي، ان طهران يمكن ان تمنح ملاذاً آمناً لاسامة بن لادن اذا كان هذا يحّيده وبالتالي يهمشه.
اراد الايرانيون ان يهزم الاميركيون صدام حسين، لانهم رغبوا ان تتحمل واشنطن مسؤولية تهميش السنة في العراق، واعتقدوا ان الاميركيين سينسحبون بعد ذلك تاركين وراءهم حكومة شيعية تخضع للنفوذ الايراني.ما لم يحسبوا حسابه ان واشنطن بعد معركة الفالوجة، بدأت اتصالات مع القيادات السنية ، وكانت تهدف الى امرين، الاول: استعمال الوجود السني في الحكومة العراقية الجديدة للحد من الطموحات الايرانية، والثاني: فصل السنّة عن الجهاديين.وتبين نجاح هذه الخطة باقبال السنّة على الانتخابات، ودَفَع الشيعة العراقيين الى الابتعاد قليلاً عن طهران، كما دَفََع الجهاديين لشن عمليات دموية ضد الشيعة، وبهدف اشعال حرب اهلية تعيد السنة الى التحالف القوي معهم.
ثم كانت المناورة النووية الايرانية والتعنت حولها، والهدف من وراء هذه المواقف ،لفت الاميركيين الى ان ايران نووية اكثر خطراً من عراق شيعي.اما ماذا تريد طهران من التفاوض حول العراق، فكما يقول الديبلوماسي الغربي، انها تتطلع الى ابقاء البعث خارج الحكم، كما انها تريد التحّكم بمواقف العراق الدولية-كما فعلت سوريا اثناء وجودها في لبنان-، ولا يريد الاميركيون حكومة شيعية صرف، وانما حكومة تحالف وطني لانهم يريدون من السنة مواجهة الجهاديين مقابل ضمان حقوقهم في العراق. كما تريد واشنطن الابقاء على حوالي 40 الف جندي اميركي مع طائرات مقاتلة خارج المدن الآهلة غرب العراق، ومن الطبيعي الا يتحمس الايرانيون الى وجود قوات اميركية قريبة جداً من حدودهم.
واسأل محدثي الديبلوماسي الغربي عن احتمال ان يكون الايرانيون وافقوا على المفاوضات لكسب الوقت بانتظار الانتهاء من برنامجهم النووي؟ فيقول: ان الايرانيين سيعملون على برنامجهم النووي ساعة يشاءون، وكذلك واشنطن فانها ستدّمر البرنامج النووي الايراني ساعة تشاء. ويضيف: quot; ان البرنامج النووي الايراني ليس بقضية في المفاوضات الحقيقيةquot;
ليس بمستبعد ان تبذل ايران الجهد للمساعدة في اعادة الاستقرار ، ولو مؤقتاً الى العراق، ذلك ان كل همها تحقيق الهلال الشيعي، وتثبيت منفذ لها على البحر الابيض المتوسط وهذا ما تسعى اليه منذ القرن السابع عشر. وهي مع تثبيت دعائم نفوذها في العراق، انقذت النظام السوري وتمددت في لبنان الذي تتطلع اليه منذ القرن الخامس عشر عندما تشّيعت الامبراطورية الفارسية كي تختلف عن الامبراطورية العثمانية، وارسل الامبراطور الفارسي اسماعيل الاردبيلي - الذي اتخذ قرار تشّيع ايران- وراء رجال دين من جبل عامل في لبنان لينشروا التعاليم الشيعية في الامبراطورية الفارسية التي كانت سنيّة.
ان لعبة امم جديدة تدور في المنطقة، ابطالها : اميركا، وايران، واسرائيل وقد تنضم اليها لاحقاً تركيا، وليس العرب.
التعليقات