الجمعة: 2006.03.31

باري كاسلمان ـ واشنطن تايمز


أتحدث أنا وعدد من المراقبين والمعلقين السياسيين منذ عدة أشهر عن افتقار الديمقراطيين الى الافكار في مواجهتهم مع الرئيس جورج بوش والحزب الجمهوري. النتيجة الحتمية التي ربما يخلص اليها معظم القراء من عبارة (الافتقار الى الافكار) هي أنه لا توجد لدى الديمقراطيين مقترحات محددة مثل اصلاح الامن الاجتماعي، أو سياسات تعليم جديدة، أو حدوث اختراق في مجال توفير الرعاية الصحية وما الى ذلك، كما لو كانت مثل هذه الامور المحددة هي فقط التي ستحل مشاكل الديمقراطيين السياسية المزمنة. هنالك سبب لحقيقة أن كل شيء تقريبا يتحدث عنه الديمقراطيون يبدو تافها وطنانا، ولا يحظى بالقبول لدى معظم الناخبين باستثناء قاعدة الحزب الصغيرة نسبيا.

هذا السبب الذي أتحدث عنه هو عادة الديمقراطيين المتأصلة المتمثلة في التمسك بافتراضات ولغة الماضي التي كانوا يتبعونها. عندما يهاجم الديمقراطيون laquo;الشركات الكبيرةlaquo; وما يسمى laquo;مصالح الاثرياءlaquo; فإنهم ببساطة شديدة يكررون للمرة البليون صيغة شفهية كانت تطبق بنجاح في الثلاثينيات، وآخر مرة نجحت فيها كان في الانتخابات الرئاسية لعام 1964.

عندما يهاجم الديمقراطيون سياسات التجارة الحرة، فإنهم يفترضون أن الناخبين من الموظفين ما زالوا يشكلون العنصر الرئيسي الذي كان موجودا حتى السبعينيات. وعندما ينتقد الديمقراطيون خفض الضرائب فإنهم يتجاهلون دروس التاريخ الحديث الواضحة بدءا من زعيمهم ومثلهم الاعلى الرئيس جون كينيدي (الذي أدى خفض الضرائب في عهده الى اخراج الولايات المتحدة من حالة الكساد التي تعرضت لها في عام 1962). وعندما يقترح الديمقراطيون برامج كبيرة للانفاق على الرعاية الصحية، يتناسون الاجراءات التي اتبعها آخر رؤسائهم الناجحين وهو الرئيس بيل كلينتون بهدف احداث نوع من التوازن في الميزانية، الامر الذي أدى الى تحقيق فائض في الميزانية وتخفيض الدين الداخلي.

باختصار شديد ليس باستطاعة الديمقراطيين التقدم بأي laquo;أفكار جديدةlaquo; من مضمونهم السياسي الذي يستبعد الابتكار وأساليب حل المشكلات.

هنالك كما هو الحال دائما استثناءات كثيرة تقود الى المخرج من هذه المشكلة. فديمقراطيو الوسط من ورثة سياسات الرئيس كلينتون الاقتصادية موجودين بالفعل، ويتحدثون عن سياسات داخلية بديلة تنطوي على امكانية كبيرة لان يتقبلها الناخب الامريكي لاسيما الناخبون المستقلون الذين لا ينتمون لحزب بعينه. لقد كانت ادارة الرئيس بوش laquo;محافظةlaquo; في جزئية واحدة فقط. فمنذ عام 2001، انتقلت الولايات المتحدة من عجز الى عجز أكبر. فليست هنالك أية مراجعة فيما يتعلق بالانفاق على الحرب بل ليس هناك أيضا أي تحكم في الانفاق الداخلي، ويتحكم الجمهوريون ليس فقط في البيت الابيض لكن في الكونجرس ومجلس الشيوخ أيضا علاوة على غالبية حكومات الولايات.

وجاء رد فعل الديمقراطيين على ذلك في محاولتهم التفوق على الجمهوريين في مجال الانفاق. وغالبا ما يستخدم الزعماء الديمقراطيون الحديث عن التحفظ الاقتصادي، لكن مقترحاتهم تفضي في نهاية المطاف، الى المزيد من الانفاق وتنامي العجز. عندما يتقدم الجمهوريون بمقترحات في مجال الضمان الاجتماعي والتعليم والرعاية الصحية، يصرخ الديمقراطيون بالحديث عن الخصخصة ويعودوا الى عقودهم الماضية الخاصة بسياسات جماعات المصالح. وفي مجال السياسة الخارجية، غالبا ما يخلط الديمقراطيون بين نفاذ صبر المواطنين تجاه الحرب في العراق ومعتقدات الناخبين العميقة حول الامن القومي والسياسة الخارجية من ناحية، والمصالح القومية الحيوية للولايات المتحدة الامريكية من ناحية أخرى.

الذي يحسب للديمقراطيين هو أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ وعددا من زعماء الحزب الآخرين مثل السيناتور جو ليبرمان والسيناتور جو بيدن والسيناتورة هيلاري كلينتون والمحافظ مارك وارنر لم يرتكبوا هذا الخطأ وحاولوا أن يعطوا للسياسة الخارجية الامريكية الاهتمام الحزبي الذي تستحقه. بعض الوجوه الجديدة في الحزب الديمقراطي مثل السيناتور براراك أوباما وتوم كاربر وآخرون يعارضون معتقدات الحزب القديمة.

لكن كبار متحدثي الحزب الديمقراطي بمن فيهم السناتور هوارد دين وزعماء الكونجرس هاري ريد ونانسي بيلوسي وعدد من اليساريين مثل توم كينيدي وباربارا بوكسر وتوم هاركين يحجبون أصوات أعضاء الوسط الليبرالي. ان المعلقين اليساريين والانعزاليين الذين يهددون بالخروج من الحزب اذا لم يتم اعتماد أجندهم الراديكالية يشكلون جزءا من مشكلة الحزب الديمقراطي.

ما برح الرئيس جورج بوش يرتكب الخطأ تلو الآخر في العلاقات العامة منذ توليه الرئاسة في الفترة الاولى. لذلك انخفضت شعبيته بدرجة كبيرة، كما أنه لم يستطع بعد اطلاق أجندة فترته الثانية بنجاح. وبات هنالك نوع من التناقص في الثقة في أعضاء ادارته وموظفيه. وهذا ينبغي أن يشكل نجاحا هائلا للديمقراطيين في الانتخابات النصفية، كما أنه يجب أن يكون سببا لعودتهم الى الحكم في الانتخابات الرئاسية عام 2008. لكن على ما يبدو ليس هذا هو الحال بعد.

أنا أقول ان ثمن الانتصار بالنسبة للحزب الديمقراطي ليس أقل من عملية تغيير ذاتي في الحزب لكي يكون له معنى ومغزى لدى غالبية الناخبين في العهد السياسي الجديد. ان أساليب جمع الاموال عن طريق الانترنت أو تنظيم القاعدة العريضة للحزب لن تكون كافية لانجاز هذه المهمة. كما أن قاعدة الانعزاليين، ومعارضي الاعمال، وأصحاب الرؤى السياسية الصحيحة، والليبراليين اليساريين في الحزب لن يكونوا الا سببا في هزيمة سياسية أخرى في عام 2008.

لا يمكن للتحول الذاتي أن يتحقق بدون ألم. لا ينبغي التخلي عن مبادئ الحزب الخاصة بالعطف، والدفاع عن حقوق الانسان، والانصاف، وحل المشكلات، لكن ينبغي التخلص من عادات الحزب القديمة التي عفا عليها الزمن، وانغماس جماعات المصالح في تحقيق اهدافهم الذاتية علاوة على النزعة الانعزالية التي اكتسبها الحزب مؤخرا.

اذا لم يحدث هذا التحول، وبسرعة، سنشهد عودة للحركات الشعببة المستقلة والمرشحين المستقلين خلال السنوات المقبلة، وهذا ليس بالفأل الحسن على الاطلاق بالنسبة للحزب الديمقراطي.