عبد الرحمن الراشد
الفتيات اللاتي استعرضن مشاركتهن في الطيران الجوي العسكري الباكستاني، تم تقديمه للعالم على أنه صعود هائل للمرأة بدخولهن أكثر المجالات بعدا عن أحلامهن. الطيران العسكري في أعلى درجات الوظائف الكثيرة والممنوعة عليهن. لكنه في نظري نجاح محدود، ومجرد دعاية أخرى تمارسها دول العالم الثالث بالحديث المضخم عن نجاحات برامج إشراك المرأة في المجتمع، وجهود الفئات المختلفة، بما فيها الجمعيات النسوية، في تغيير الوضع القائم.
الحقيقة أن وضع المرأة لم يتحسن كثيرا في معظم المجتمعات العربية، ومثيلاتها، رغم المزيد من النساء في المدارس والمعاهد والجامعات، والمزيد من الخريجات الطبيبات والمهندسات والعالمات. الدعاية في معظمها تبرز فئتين: المرأة القادرة التي تعبر عن الاقلية المترفة، والثانية نجاحات فئة صغيرة العدد تؤكد الاستثناء المحظوظ بين غالبية النساء العاطلات. عناوين الصحف: امرأة تقود طائرة بوينج، وأخرى تدير محفظة بمليارات الريالات، وامرأة تنتخب في الغرفة التجارية، وثلاثون في سلك وزارة الخارجية، أحداث سعيدة حدثت في السعودية التي تعتبر اكثر المجتمعات غلقا للمرأة. إنها قصص تدعو للارتياح، لكن المشكلة انها الندرة والاستثناء، أما الغالبية بلا وظائف لأنهن نساء فقط. الحقيقة اليوم أن النساء أقل عملا عما كانت عليه جداتهن في الماضي، وهن اليوم ايضا يمثلن نسبة متواضعة من الموظفين، وتحتل المرأة مساحة محدودة في النشاطات المؤثرة. الحقيقة أن الأغلبية منهن تجلس في القاع.
المطلوب للمرأة أن تكون لها مكانتها العادية، اي مثل بقية الرجال، لا مكانة مميزة أعني وزيرة أو قائدة طائرة اف ـ 15 أو محامية في المحاكم العليا أو رئيسة لشركة بترول. الأمنية متواضعة جدا، أن تصبح مصرفية ومهندسة وموظفة في شركة نقل أو طيران ونجارة وكهربائية، وغيرها من الوظائف المتوسطة التي تمثل معظم سوق العمل. ان كانت هناك رغبة حقيقية في مساعدة المرأة، فلتكن في ايصال النسبة الأكبر الى السوق، وتأمين الوظائف الدائمة وبنفس الحظ الذي يمنح للرجال. وأقوى تغيير للمرأة وتمكينها من حقوقها ليس عبر الدعايات السياسية أو المنظمات النسائية، بل في الدخل المالي الثابت. فالمرأة المستقلة ماليا تعيش في حصانة اكثر. لهذا ليس عجيبا أن نرى المرأة في السعودية تصبر على السفر مئات الكيلومرات كل يوم للتدريس في مدرسة بعيدة، لأنها وظيفتها الوحيدة المتاحة لها. شعورها انها موجودة وفاعلة ومستقلة يدفعها لهذه المغامرة اليومية، وهي التي تملك خيار الجلوس في البيت والعيش عالة على مرتب زوجها او عائلتها.
ولست هنا معارضا لرغبة المرأة في أن تصبح رائدة فضاء، إن ارادت، لكن الاحتفال المستمر بحكايات بلوغ النساء مواقع مميزة يعطي انطباعا خاطئا، وربما يوصل الى نتيجة خاطئة ايضا. نحن نتحدث عن عشرات الملايين من النساء اللاتي يحلمن بوظيفة ودخل واحترام ومشاركة، هذه هي القضية.
التعليقات