السبت: 2006.04.08
د. محمد بن هويدن
في عام 1998 أجرت كوريا الشمالية تجربة إطلاق صاروخ ldquo;تايبودونغ 1rdquo; البعيد المدى والذي مر عبر الأجواء اليابانية ليسقط في المحيط الباسيفيكي، كان لهذه التجربة الكورية الشمالية بالغ الأثر في السياسات الخارجية لكل من اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة تجاه كوريا الشمالية، فبعد أن كانت هذه الدول ترفع لواء المواجهة مع نظام بيونج يانج نجدها، بعد هذه التجربة بالذات، تغير من سياساتها، فهذه كوريا الجنوبية وجدناها تتبع سياسة ldquo;الشمس المشرقةrdquo; مع نظام بيونج يانج رغبة منها في عدم اغضابه، وهذه اليابان وجدناها تقدم الدعم الاقتصادي للنظام الكوري الشمالي رغبة منها هي كذلك في عدم إثارته، وهذه الولايات المتحدة تفتح معه قنوات الاتصال من خلال المفاوضات السداسية.
كل ذلك جاء بالدرجة الأساسية بعد أن أجرت كوريا الشمالية اختبارها الصاروخي الذي عبّر للجميع بأن لديها القدرة العسكرية على الوصول إلى عقر دار حلفاء الولايات المتحدة المتحدة الرئيسيين في آسيا ويلحق بهم وبالوجود الأمريكي هناك أضرارا جسيمة، فهذه كانت رسالة نظام بيونج يانج التي قرأتها واشنطن والعواصم الحليفة لها في شرق آسيا، مما اضطرها إلى تعديل مواقفها في التعامل مع ذلك النظام، فكانت رسالة كوريا الشمالية ناجحة بكل المقاييس في تحقيق أهدافها.
ذات الأمر هو ما تسعى إليه ايران اليوم، فإطلاقها قبل أيام لصاروخ مائي قادر كما يقال على ضرب السفن والغواصات في أي عمق وأية سرعة ومن ثم إطلاقها لصاروخ أرض - بحر بعد التجربة الأولى بعدة أيام لهو رسالة موجهة للولايات المتحدة بالذات مفادها أنكم ومصالحكم في منطقة الخليج ستتضرر إذا ما فكرتم في استخدام القوة العسكرية ضدنا أو ضد برنامجنا النووي، لقد أتت هذه التجارب الإيرانية في الوقت الذي تتحدث فيه المصادر المختلفة في الولايات المتحدة وبريطانيا وrdquo;إسرائيلrdquo; عن وجود خطط لتوجيه ضربات عسكرية ضد منشآت البرنامج النووي الايراني.
فكما كانت كوريا الشمالية تعتبر أن الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى هي وسيلتها الوحيدة لإخافة الطرف الآخر، فإن ايران بدأت ترى في صواريخها البحرية أفضل سبيل لها في استراتيجيتها لردع الآخر عن القيام بضرب منشآتها النووية، فالمعلوم أن معظم نفط المنطقة الخليجية يمر عبر مضيق هرمز وأن هذه المنطقة تعتبر منطقة وصل تجاري بين الغرب والشرق وهي حقا عصب الحياة للاقتصاد العالمي، وأي بلبلة في هذا المضيق بالذات من شأنه أن يخلق كارثة اقتصادية عالمية.
لذلك فالنظرة الايرانية قائمة على الإدراك بأن عرض قدرتها على إلحاق أذى بالمصالح الاقتصادية الأمريكية والغربية في مياه الخليج العربي، كفيل بردع واشنطن وغيرها عن التفكير بالخيار العسكري.
وكانت هذه الرسالة واضحة عندما أجرى الايرانيون اختباراتهم على الصواريخ المائية تلك في منطقة مضيق هرمز وليست أية منطقة أخرى، فإيران تريد أن تقول للغرب إن ضربكم للمنشآت النووية الإيرانية سيقابله تحرك عسكري من قبلها ضد السفن التجارية المتجهة صوبكم عبر مضيق هرمز، ونحن لدينا القدرة التكنولوجية العسكرية على إلحاق أذى كبير بسفنكم وسفن حلفائكم في هذه المنطقة.
باختبارها قدرات عسكرية كهذه فإن ايران تأمل في أن يصبح لديها ورقة جديدة تسهم في تنوع أوراق الضغط المتوافرة لديها من أجل مواجهة خطط الولايات المتحدة وحلفائها، فالورقة العسكرية الإيرانية كانت موجودة في الأساس لكنها اصبحت اليوم أكثر قوة مما كانت عليه من قبل. وتحاول إيران ان تعزز هذه الورقة من خلال الإعلان عن إجراء تجارب عديدة من ذات النوع في الأيام المقبلة، وتأمل إيران من هذه الورقة مع أوراق أخرى، كورقة العراق وورقة حزب الله وورقة النفط، أن تلعب دوراً بارزا في تحقيق هدف إيران القاضي بردع الضربة العسكرية عن منشآت برنامجها النووي، وتفرض على الولايات المتحدة أن تنتهج نهج الحوار والتفاوض كبديل عن نهج التهديد والمواجهة، وبالتالي تنجح إيران في استثمار ما لديها من أوراق في هذه المنطقة تماماً كما نجحت كوريا الشمالية في استثمار ما لديها من أوراق لإبعاد شبح الحرب عنها في منطقة شرق آسيا.
التعليقات