علي سعد الموسى
ومن الوزارات التي سمعت عنها منذ صباي الباكر كانت وزارة التخطيط، وأتذكر فيما أتذكر، أنني استمعت ذات صباح بعيد سحيق إلى بيانها وهي تقدم إحدى خطط التنمية الخمسية وكنت على جهاز الراديو فوق سطح منزلنا القروي ويومها كانت الدنيا بلا ألوان وبلا تلفزيون. ولهذا كان صوت مذيع الراديو خلطة حماسية لطفل بين ركام البؤس ثم يستمع إلى خطة خمسية. الأدهى أن الطفل كان من السذاجة يومها ليصدق كل شيء قاله المذيع. ما زلت أتذكر فيما أتذكر أن البيان التنموي انتهى على أنغام أغنية وطنية فأخذتني النشوة والحماس لأن أصيح بأعلى صوتي، ومن فوق السطح القروي الترابي: سنكون أمريكا الثانية بعد خمس سنين من الآن.
والصحيح، كي تكتمل الصورة، أن هذا البيت الطيني القروي قد قطع مشوارا هائلا من التنمية. وحتى بعد أن هجرناه قبل أكثر من ربع قرن، ما زال البيت يحتفل بتيار كهرباء وصندوق هاتف لم يستعملا على الإطلاق. وفي جانب تنمية الإنسان، خرج من ذات البيت ثلاثة أطباء وأستاذ جامعي وحملة ماجستير ومهندسة قادمة من عائلة واحدة لم يتخلف منهم حتى اللحظة شخص واحد بأقل من درجة جامعية. وحول ذات البيت الترابي ينتشر اليوم في ذات القرية أكثر من ثلاثين قصرا سكنيا قل أن تجد نظيرا لها في أرقى أحياء العاصمة الأم. شكرا بلدي، ذاك الذي علمني وأنا في بيت الطين: وأما بنعمة ربك فحدث.
ولكن، هنا نعود إلى الجملة الأولى في صدر المقال: هل كانت هذه الطفرة التنموية بفضل إضبارات وزارة التخطيط أم كانت عبر البدائل: بالبركة أو بعصامية الإنسان أم بفضل الشخص الذي بعث الحياة في هذه القرى. أكتب اليوم من كوة جبل يطل على قرية لا تختلف عن قريتي حتى في القديم من بيوت الطين. الحق، الذي يجب أن يعلمه الجميع أن لهذه - العسير - ميزة لم تبزها فيها أي منطقة سعودية ومن أراد أن يجادلني فلنتبادل البراهين. إنها المنطقة الوحيدة التي تبز فيها خدمات المحافظات البعيدة النائية ما هو موجود بمدنها الرئيسية. إنها المنطقة الوحيدة التي تجد فيها اليوم من القصور في القرى ما يبز بيوت المدن وبها من الوفر في الأسرة العلاجية ما يقيم صلب مستشفيات احتياطية. إنها المنطقة الوحيدة التي تبلغ فيها تحويلات البنوك ورأسمالها - الدائر - وحركة الأسهم في محافظاتها المختلفة ما يفوق نظيره من البنوك في المدينتين الرئيستين. إنها المنطقة الوحيدة التي تبز فيها مدارس الحكومة في القرى علب الكبريت في المدن. إنها المنطقة الوحيدة التي - تسوق - القرى على - كروت - الدعاية حيث القرية بها اليوم أجمل الأحياء. شكرا - للإنسان - الذي غير في ربع قرن حياة الإنسان.
التعليقات