غسان شربل
محمود أحمدي نجاد شيء وصدّام حسين شيء آخر. جاء الأول من عباءة الخميني والثاني من عباءة ميشال عفلق. صعد الاول سلم الثورة الاسلامية وتسلق الثاني حبال البعث العلماني. نال الاول الرئاسة بأصوات الناخبين ومباركة المرشد وانتزع الثاني القصر بالقسر والكسر. الأول ليس صاحب الكلمة الاخيرة والثاني كان صاحب الكلمة المطلقة. يعمل الاول في ظل الموازين والضوابط وكان الثاني طليق اليد في شؤون البلاد والعباد. ينتمي الثاني الى البحر الواسع وينتمي الاول الى جزء من هذا البحر من دون ان ننسى الاختلاف وذاكرة الخلاف. جاء الاول من أمة جذورها ضاربة في المنطقة والتاريخ وجاء الثاني من عالم ينام على الامجاد الغابرة ويحلم بالعودة laquo;أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدةraquo;. وتقول دروس التاريخ ان ايران القوية تفيض عن حدودها الدولية تماما كالعراق القوي. وبين البلدين ذكريات ومواقع دفعت الرئيس العراقي السابق الى تسمية حربه على ايران laquo;قادسية صدامraquo;.
المقارنة لا تعني التشابه فليس في سجل احمدي نجاد ارتكابات من قماشة laquo;حملة الانفالraquo; او المقابر الجماعية. وتوزيع الصلاحيات في ايران لا يسمح لرجل وحيد بخطف القرار وأخذ البلاد الى الهاوية. ثم ان احمدي نجاد يتصرف كمن يحاول تنفيذ مهمة اوكلت اليه وليس بوصفه صانع الثورة أو مهندس المستقبل او الرجل الذي يمارس الحكم وعينه على موقعه في التاريخ.
ذات يوم عاد الامام الخميني منتصرا الى طهران. ضخت عودته هديرا عميقا في عروق المنطقة. خاف صدام على نظامه وبلاده وخاف من جاذبية الرجل العائد لدى بعض شعبه. ذهب الى الحرب ضد النظام الذي لم يخف رغبته في تصدير الثورة. قلق العالم من ثورة الخميني التي جاءت من خارج القاموس مكّن صدام من العودة من الحرب بلا هزيمة أصر على اعتبارها انتصاراً.
من ذلك laquo;الانتصارraquo; تبدأ مغامرة صدام حسين الانتحارية على مستوى الاقليم. كان الاتحاد السوفياتي يتداعى وفاحت رائحة فراغ في المنطقة. من شروط الدور الاقليمي الكبير الاتكاء على الموضوع الفلسطيني وتصعيد لهجة العداء لاسرائيل. لم ينس صدام ركام احلامه النووية فهدد هذه المرة بإحراق نصف الكيان الصهيوني. ومن شروط الدور الكبير ايضاً التأثير في مصير النفط وأمن امداداته وأسعاره ثم التفاوض مع الكبار بعد استجماع اوراق القوة. تحت وطأة الأزمة المالية واحلام الدولة الكبرى في الاقليم ووجود ترسانة ضخمة وقراءة متسرعة للوضع الدولي، اجتاح صدام حسين الكويت.
لدى انتخابه رئيساً نظر احمدي نجاد الى بلاده وحولها. ترسانة ضخمة ونظام متماسك وظف الخاتمية لتحسين صورته ولم يسمح لها ان تغير معالمه. الاميركيون يتخبطون فوق ركام صدام حسين ويحتاجون الى تعاون ايران لترتيب خروج غير مذل. انه التوقيت الملائم لاخراج حلم الدولة الكبرى المحلية من الادراج. صعّد لهجته ضد الكيان الصهيوني laquo;الآيل الى الزوالraquo; وفتح باب التخصيب والاحلام النووية. ادخل العالم والمنطقة في امتحان غير مسبوق. تجمعت كل عناصر الأزمة الكبرى. هيبة اميركا وأمن اسرائيل وجنون اسعار النفط والفوضى النووية وإعادة رسم حدود الادوار. القبول بإيران laquo;قوة عظمىraquo; على نحو ما يطالب به نجاد مكلف، ومعاقبة ايران بتدمير منشآتها النووية سلوك باهظ.
لا يشبه احمدي نجاد صدام حسين. ووضع النظام الايراني مختلف عن وضع نظام صدام المحاصر. لكن اهل المنطقة تغريهم المقارنات. عاد العراق ركاماً من مغامرة الدولة الكبرى ودفعت المنطقة ايضاً ثمن احلام صدام حسين، والسؤال كيف سترجع ايران وكيف سيتم هذه المرة توزيع الخسائر سواء عادت منتصرة ام حطاماً؟
التعليقات