الجمعة: 2006.05.05


مـرسي عطا الله



من بين أكذب الخرافات التي يراد تسويقها في السنوات الأخيرةrlm;,rlm; وتحديدا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عامrlm;2001,rlm; تلك الخرافة التي أطلقها هانتنجتون حول ما سماه صدام الحضاراتrlm;,rlm; ومحاولة تحميل الأصولية الإسلامية وحدهاrlm;,rlm; مسئولية معظم الكوارث الراهنة دون أدني إشارة الي أن الأصولية ليست مقصورة علي العالم الإسلامي وحده وانما هناك العديد من الأصوليات الأخري المتنامية مثل الأصولية اليهودية والأصولية المسيحية والأصولية الهندوسيةrlm;...rlm; واذا كان مفهوما أن تجد هذه الخرافة آذانا صاغية في أمريكا وأوروباrlm;,rlm;

فإن الذي يثير الحزن والأسي أن تسلم بعض التيارات الفكرية العربية بصحة هذه الخرافات قياسا علي بعض الشواهد التي تظهر علي قشرة الأحداثrlm;,rlm; ودون تدقيق في جوهر المظالم التي جعلت من الساحة العربية والإسلامية مخزنا لانفجارات اليأس والإحباط من شدة الشعور بوطأة الظلم العالميrlm;.rlm;

ولعل من الضروري أن نتفق في بداية هذا الحديث علي أن أحداثrlm;11rlm; سبتمبر التي لم تنته بعد تداعياتها الكارثيةrlm;,rlm; قد أعطت الفرصة للعنصريين المتغلغلين في اليمين الغربي عامة واليمين الأمريكي خاصةrlm;,rlm; لــ تصوير ما حدث علي أنه تعبير عن صحة رؤيتهم بأن الإرهاب الذي يمثل أخطر أنماط الحروب الجديدة في العالم ليس حروب مصالح وامتيازاتrlm;,rlm; ولا هو رد فعل لمظالم السياساتrlm;,rlm; وإنما هو ـ حسب ادعائهم ـ ناجم عن اختلاف القيم الثقافية بين الإسلام والحضارة الغربية ومعارضة المسلمين لهذه القيمrlm;,rlm; ورغبتهم في تدميرها والقضاء عليهاrlm;!rlm;

ثم لعلنا نتفق أيضا علي أن ما حدث في الحادي عشر من سبتمبرrlm;,rlm; لا يمكن النظر إليه علي أنه مجرد حدث إرهابي ضخم ضد المصالح الأمريكيةrlm;,rlm; وانما هو شيء أكبر وأشمل وأعمق من ذلك بكثيرrlm;!rlm;

إن الحادي عشر من سبتمبر ـ وفق أي منظور علمي ـ يمثل زلزالا استراتيجيا عالمياrlm;,rlm; حيث ان هذا الحدث لم يكن متوقعاrlm;,rlm; لا في حجمه ولا في طريقة تنفيذه أو النتائج التي أدي إليهاrlm;,rlm; وانما يمكن تصنيفه الي جانب أحداث كبري في التاريخ لم تكن متوقعة مثل غزو ألمانيا للاتحاد السوفيتي عامrlm;1941,rlm; وما قاد إليه من سيطرة ألمانية علي معظم أوروبا في الحرب العالمية الثانية والتهديد باجتياح كامل القارة قبل إلحاق الهزيمة بالقوة النازية الجبارةrlm;,rlm; وأيضا مثل المباغتة العربية لإسرائيل سنةrlm;1973,rlm;

وما قادت إليه من خلخلة في ميزان القوي العسكرية والنفسية في الصراع العربي ـ الإسرائيليrlm;,rlm; وعلي المنوال ذاته غزو العراق للكويت سنةrlm;1990,rlm; الذي تسبب في تدمير القوة العربية الأهم في المنطقة ـ آنذاك ـ وإعادة تشكيل التحالفات في منطقة الشرق الأوسط كلهاrlm;,rlm; وتمهيد الطريق لمؤتمر مدريد للسلام عامrlm;1991.rlm;

ومعني ذلك أن ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر كان حدثا عالميا بالمعني العلمي للكلمةrlm;,rlm; حيث كانت له تداعيات تجاوزت حدود المكان الذي وقع فيهrlm;,rlm; والأطراف المباشرة المنخرطة فيهrlm;,rlm; وأدي الي إعادة تشكيل التحالفات والأوضاع الدولية بشكل واسع الي الحد الذي نشأ فيه تقارب ملحوظ بين روسيا وأمريكا تحت شعار مكافحة الإرهاب الدوليrlm;,rlm; كما جرت أوسع عملية لرأب التصدعات الأوروبية ـ الأمريكية تحت رايات الرغبة في توثيق وتوطيد علاقات التحالف عبر الأطلسيrlm;.rlm;

وفي ظل هذه التداعيات ذات البعد العالميrlm;,rlm; توفرت لأمريكا فرصة إحداث انقلاب جذري في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية التي كانت قد بدأت تميل الي الانعزال عن العالم والالتفات للشئون الداخلية في المقام الأولrlm;,rlm; وهو ما استلزم صياغة أجندة جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية لترتيب جدول الأولويات واستغلال مناخ التوافق العالمي علي إدانة أحداثrlm;11rlm; سبتمبرrlm;,rlm; لتمرير أجندات مطاطة لا تعبأ بالقانون الدوليrlm;,rlm; ولا تعير وزنا لسياسات الدول بتيسير وتسهيل وتبرير عمليات التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية للدولrlm;,rlm; التي يتم إدراجها علي لوائح المروق والتمردrlm;.rlm;

rlm;***rlm;
والحقيقة أن أحداث الحادي عشر من سبتمبرrlm;,rlm; لم تكن سوي الغطاء والقناع الذي يخفي جذورا تمتد لسنوات بعيدة في إطار حملة التخويف من الإسلام والمسلمين منذ أن طرح الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون نظريةrlm;:rlm; الإسلام هو الخطر البديل عن الشيوعيةrlm;.rlm;

إن من الظلم للتاريخ وللحقيقة أن ينسب كل ما يشهده العالم الآن من فوضي سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية لتلك الخرافةrlm;,rlm; التي تتحدث عن صدام الحضاراتrlm;,rlm; وتدلل علي ذلك بالأزمات الساخنة في كشمير وفلسطين والشيشان والبوسنة وكوسوفاrlm;,rlm; حيث حدود التماس مع الدول الإسلامية والتي يصعب عندها إخفاء التباين بين حضارات وثقافات مختلفة تدعي كل واحدة منها شرف الريادة والتفوق علي الأخريrlm;.rlm;

إن الذين يقولون بذلك يتجاهلون واحدة من أهم الحقائق التاريخية التي تقول إن أفظع وأبشع الصراعات وأكثرها دموية لم تكن تلك التي وقعت بين حضارات مختلفةrlm;,rlm; وانما تلك التي كانت تتفجر بين الحين والحين داخل كل حضارة معينة علي حدةrlm;!rlm;

ولكي أدلل علي صحة ما أقول بهrlm;,rlm; فإنني يمكن أن أستشهد بما شهدته القرون الثلاثة الأخيرةrlm;...rlm; ففي أوروبا نشبت حروب دينية طاحنة وصراعات سيادية وعرقية مدمرة انتهت بحربين عالميتين راح ضحيتهما عشرات الملايينrlm;,rlm; وذلك داخل الإطار الحضاري الواحد لأوروباrlm;...rlm; وفي آسيا فإن أحدا لا يستطيع أن ينسي ذلك الصراع الدامي بين الصين واليابان والذي بلغ ذروته في الحرب اليابانية ـ الصينية في الربع الأول من القرن العشرينrlm;,rlm; وكذلك بين الهند والصينrlm;...rlm;

وأيضا فإن العالم الإسلامي شهد حروبا داخلية دموية كان آخرها وأبشعها الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استمرت طيلةrlm;8rlm; سنوات في الربع الأخير من القرن العشرين وخلفت دمارا بشريا وعمرانيا غير مسبوقrlm;.rlm;

ومن هنا يتحتم علي رموز الفكر والثقافة في العالم العربي والإسلاميrlm;,rlm; أن يتنبهوا الي الفخ المنصوب وأن يتجنبوا الوقوع فيهrlm;,rlm; وذلك لن يتأتي بمجاراة التصاعد بتصاعد مماثلrlm;,rlm; وانما بتفويت الفرصة علي دعاة صدام الحضارات وتأكيد أن الإسلام ليس في نموذج حركة طالبان أو ممارسات تنظيم القاعدةrlm;,rlm; اللذين جري اتخاذهما كذريعة لحرب تختلط فيها دماء الأبرياء مع عجينة غريبة للتلفيق وخلط الأوراق لكي يصبح المقاومون للاحتلال إرهابيين وقتلةrlm;,rlm;

ويتحول السفاحون من أمثال شارون الي قديسين وملائكة ينطلقون في ممارساتهم من حق الدفاع عن النفسrlm;!rlm;

إن علينا أن ندرك أنه ليس من مصلحتنا الإسهام في تأجيج نيران هذه الحرب التي يريدون اشعالها باسم صراع الثقافات والحضاراتrlm;,rlm; لأن من يسعون لذلك منذ سنوات يهدفون الي قطع الطريق علي أي مفهوم للعلاقات الدولية يرتكز الي الحوار والتشاورrlm;,rlm; ويصل بالأمور الي فرض سياسات الارغام والهيمنة التي هي حق للدول القوية والكبري وحدهاrlm;!rlm;

لعلي أكون أكثر صراحة وأقولrlm;:rlm; إن العرب والمسلمين باتوا اليوم في أمس الحاجة الي الاسراع بإدارة حوار مع النفس والذات ينطلقون منه الي رؤية فكرية موحدة تؤكد انتصارهم للانفتاح والحوار مع سائر الحضارات والقبول بمتطلبات التنوع والاختلاف التي تفرضها الكونية الجديدةrlm;!rlm;

rlm;***rlm;
ومن أرضية هذا الحوار الذاتي فوق أرضنا العربية والإسلاميةrlm;,rlm; يمكن لنا أن نطلق رسائل عديدة لتذكير الجميع بأنه لم يؤخذ علي الحضارة العربية والإسلامية ما يفيد بالرغبة في زحزحة الآخرين عن موقعهم أو الاستيلاء علي أراضيهم وثرواتهمrlm;,rlm; لسبب أساسي هو أن الحضارة العربية والإسلامية لم تكن يوما تعبيرا عن حضارة القوة والقتل والتدمير والخلاص من الآخرrlm;,rlm; وإنما كانت حضارة الحوار والتسامح وتبادل الثقافات وتبادل المنافعrlm;!rlm;

وربما يكون مفيدا وضروريا في هذا السياقrlm;,rlm; أن نتوقف بالتأمل أمام مقولة بالغة الأهمية للفيلسوف والمؤرخ الفرنسي دوني ديدرو لأنها أشبه بانذار لكل بني البشرrlm;,rlm; بضرورة التنبيه لمخاطر الانزلاق نحو الانفصال عن الآخر والتقوقع علي النفس لكل أمة علي حدةrlm;,rlm; حيث يقول بدون وحدة الفيزياء والأخلاق النبيلة لا يبقي أمام البشرية سوي احتمال واحد هو الارتداد الي البربريةrlm;.rlm;

وتأتي أهمية وقيمة هذه المقولة في أنها ليست رد فعل لحدث معينrlm;,rlm; وانما هي كانت استشرافا ورؤية مستقبلية تنبأ بها هذا الفيلسوف الفرنسي العظيم من قبل أن تدهم العالم سلسلة الأحداث الدامية والرهيبة التي بلغت ذروتها في أحداث الحادي عشر من سبتمبرrlm;2001,rlm; وفتحت شهية العنصريين ـ هنا وهناك ـ لإعادة تجديد وطرح رهاناتهم الخاطئة التي ترتكز علي عدم الاعتراف بالآخرrlm;!rlm;

وبغير ادعاء للحكمة أقولrlm;:rlm; إن أخطر ما يمكن أن تتعرض له الإنسانية تحت دعاوي وأكاذيب ما يسمي بصدام الحضاراتrlm;,rlm; هو الارتداد الي عصور البربرية كما تنبأ بذلك الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي دوني ديدرو ولدينا أكثر من دليل في الماضي والحاضر علي انحطاط السلوك الإنساني تحت وطأة غياب العقل والحكمة وغياب لغة التسامح والتعايش وانتصار منطق القوة والتعصب ورفض الآخرrlm;!rlm;