السبت: 2006.05.20

رستو بنتيللا ـ هيرالد تريبيون

دعونا نواجه الأمر: لقد صار حلف الأطلسي بوليساً عالمياً. والأمر الآن هل يعتبره العالم رجل شرطة جيداً أو رديئاً؟ إذا كان الحلف يريد أن يكون رجل شرطة جيداً؛ فيكون عليه، أن يعمل استناداً لمبادئ، ولرؤية معينة لأزمات الحاضر والمستقبل؛ وحتى لو كانت تلك الأزمات صرخات أخيرة من زمن الحرب الباردة. وإذا كان الحلف لا يعتبر نفسه رجل أمن عالمياً، فيكون عليه أن يعمل بدون غطاء وبدون شرعية، أي أن يكون رجل أمن سيئاً! أما ياب دي هوب شيفر السكرتير العام لحلف الأطلسي؛ فهو يحب أن يقول ويكرر دائماً وفي كل كلمة له: الحلف الأطلسي ليس بوليس العالم. ولكي لا يبقى شك لدى أحد فإنه يضيف الى الانكليزية أمام مشاهديه المتشككين جملة بالفرنسية تفيد المعنى نفسه.
ولا شك أن المقصود من وراء ذلك إرسال رسالة واضحة، لكن هذا الأمر لا يصمد أمام المراقبة الدقيقة، فالحلف يحمي ويضمن الأمن في البوسنة والهرسك. وهو يقوم بدوريات في البحر المتوسط. وهو يقدم المساعدة لضحايا الزلازل والأعاصير. وهو يرافق الأطفال ويحرسهم في ذهابهم الى المدرسة بأفغانستان. وهو يدرب الضباط في دول شرق أوروبا وغيرها على الديموقراطية. كما أنه يقدم مساعدة لوجستية للاتحاد الافريقي. كما أنه يسجن أيضاً مجرمين، ويحارب الارهاب. وهذه الأمور لا يمكن اعتبارها عمليات قتالية. بل نستطيع بالكاد أن نعتبرها معالجة لأزمات مستعصية. وغالباً ما يستخدم هؤلاء تقنيات أولية، ثم انهم لا يخسرون العديد من العناصر. وهدفهم نشر الاستقرار والنظام في الدول الضعيفة، ومساعدة الناس على العودة لحياتهم الطبيعية. وما ينبغي تأكيده هنا: هناك طلب متزايد على هذه الأشكال من الحفاظ على القانون والنظام.
يرغب الاتحاد الافريقي في الحصول على مساعدة الناتو بدارفور وبمناطق قتل أخرى في افريقيا. وفي نقطة ما في مستقبل قريب سيكون الفلسطينيون والاسرائيليون مستعدين للاستعانة بالناتو لتأمين قوة لحفظ السلام. وربما كان على الناتو وقتها إذا قبل أن يساعد، الاستظلال بعلم الأمم المتحدة؛ وسيكون فعلاً قوة استقرار وأمن. ولا شك أن الأميركيين سيكونون مسرورين برؤية قوات الأطلسي بالعراق.
إن الواقع أن نشر القانون وحفظـ النظام، لن تكون الأمور الوحيدة أو العمليات الوحيدة التي قد يحتاج الناتو للمشاركة فيها. والنظر في الأمر بشكل واسع يفيد أن هناك نوعين محتملين من العمليات. النوع الأول عمليات يمكن اعتبارها تقليدية، وهي النوع الأخطر في ذلك. وهي تعني استعمال القوة لحماية الأمن والاستقرار والاستقلال لإحدى الدول من أعضاء الحلف. وهذا النوع من العمليات يتنوع من الحفاظ على وحدة أراضي دولة عضو أو حماية حدودها، والى العمليات المتصلة (وهذا أمر غير مرجح لكنه ممكن) بتأمين وصول الطاقة للغرب. واتخاذ القرار في مثل هذه الحالات لن يكون سهلاً؛ لكن هناك آليات لذلك فبعد كل حديث: ما وحد الناتو إلا من أجل هذه الأمور الخطرة والمهمة. والنوع الثاني من أنواع العمليات المستقبلية، هو الأكثر ترجيحاً والأقل خطراً وخطورة. ولنسم هذا النوع: العمليات الوقائية؛ من مثل إيقاف المذابح، والوقوف على الحدود، وحماية الممرات البحرية، ومكافحة زعماء الميليشيات المسلحة. وبعض هذه العمليات قذرة أو خطرة؛ أما بعضها الآخر فليس كذلك. وهي تتطلب قدرة على اتخاذ القرار بيد أن الأهم في القرار: هل نتدخل ولا نتدخل؟!
إن المشكلة أن أكثر أعضاء الناتو والعاملين المدنيين معه، يعتبرون أن المذابح والحروب الأهلية، ليست من شأن الناتو. وإذا لم تكن شغل الناتو فشغل من هي إذن؟الواقع ان قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تعاني من الارهاق الكبير، ومن ضآلة الموارد. وقد تطورت القدرات العسكرية للاتحاد الأوروبي؛ لكن دوله ستكون بحاجة لمساعدة الولايات المتحدة لسنوات كثيرة قادمة، وقوات حفظ السلام الافريقية يجري تدريبها الآن، لكنها ليست جاهزة بعد. ولذلك ليس في العالم اليوم غير حلف الأطلسي. وسيبقى طبيعياً بالنسبة للناتو النظر في كل النزاعات في العالم، ولا سيما ذات الطبيعة العسكرية. وسيكون على الناتو أن يتدخل حيث يجب فعل شيء؛ ولا يتوافر طرف آخر قادر على ذلك. ويدعي الناتو أنه يدافع عن الحرية والديموقراطية والسلام. ولا شك أن الحرية والديموقراطية تكونان مهددتين عندما تحصل المذابح ضد البشر، كما في دارفور. وكذلك الأمر عندما تحاول دول دمرتها الحروب، أن تعيد بناء نفسها. لا أحد يدعي أن على الناتو التدخل في كل مكان في العالم. بل ما اقترحه أن يفكر حلف الأطلسي في ما هو عليه الآن، وأن يتصرف بحسب ذلك.